المحض ومن العرف الجاري به العادة فيما يتخاطب به الخلق فظنوا أن كلام الله مثل كلامهم فحكموا على الغائب عنهم بالشاهد عندهم ومن قاس الغائب على الشاهد فقد أخطأ عند جماعة المتكلمين وأهل العقل أجمعين فلا يحمل علم العالم على جهل الجاهل وكونهم يقولون لا يفهم كلاما إلا صوتا وحرفا فكلام العوام ومن لا يدري شيئا ولا يعرف أحقيقة أخبرنا لا ولا مجازا وسبب ذلك كله عدم ممارستهم للعلماء بل لطلبة العلم من أهل الكلام فهؤلاء فرطوا وأولئك أفرطوا وأهل الحق جمعوا بين المعقول والمنقول أي بين العقل والشرع واستعانوا في درك الحقائق بمجموعهما فسلكوا طريقا بين طريقي الافراط والتفريط وسنضرب لك مثالا يقرب من إفهام القاصرين ذكره العلماء كما أن الله تعالى يضرب الأمثال للناس لعلهم يتذكرون فنقول لذوي العقول مثال العقل العين الباصرة مثال الشرع الشمس المضيئة فمن استعمل العقل دون الشرع كان بمنزلة من خرج في الليل الأسود البهيم وفتح بصره يريد أن يدرك المرئيات ويفرق بين المبصرات فيعرف الخيط الأبيض من الخيط الأسود والأحمر من الأخضر والأصفر ويجتهد في تحديق البصر فلا يدرك ما أراد ابدا مع عدم الشمس المنيرة وإن كان ذا بصر وبصيرة ومثال من استعمل الشرع دون العقل مثال من خرج نهارا جهارا وهو أعمى أو مغمض العينين يريد أن يدرك الألوان ويفرق بين الأعراض فلا يدرك الآخر شيئا ابدا ومثال من استعمل العقل والشرع جميعا مثال من خرج بالنهار وهو سالم البصر مفتوح العينين والشمس ظاهرة مضيئة فما أجدره وأحقه ان يدرك الألوان على حقائقها يا ويفرق بين أسودها وأحمرها وأبيضها وأصفرها فنحن بحمد الله السالكون لهذه الطريق وهي الطريق المستقيم وصراط الله المبين ومن زل عنها وحاد وقع في طريق الشيطان المتشعبة عن اليمين والشمال قال تعالى وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله
(٩٤)