فقوله (ص) (إن مما ينبت الربيع لما يقتل حبطا أو يلم).
قال (ابن دريد): هذا من أبلغ الكلام في تحذير الدنيا والاغترار بزهوتها والركون إلى غضارتها، وذلك أن الماشية يروقها نبت الربيع فتأكل منه بأعينها، فربما تفتقت سمنا فهكلت. يقول: فمن أعطي كفوا ورفاهية عيش في دنياه فليقتصد ولا ينهمك فيها فتلهيه عن الاحتراز لآخرته فيهلك كما أن الماشية تلهيها زهرة النبات تأكل حتى تهلك.
وقال الله عز وجل: (ألهاكم التكاثر. حتى زرتم المقابر. كلا سوف تعلمون).
وقال بعض الشعراء يذكر الدنيا:
كيف يحلو طعم شيء زائل * رب حلو من مذاق العيش مر والحبط: انتفاخ بطن الدابة من الامتلاء أو من المرض. يقال حبط يحبط حبطا. ويقال أن (الحارث بن مازن بن عمرو بن تميم) سمي الحبط لأنه أصابه مثل ذلك وهو سفر له فمات، والنسبة إليه حبطي - بفتح الباء - كما ينسب إلى سلمة سلمي، وإلى سفرة سفري لأنهم يستثقلون الكسرة مع الياء وقوله (أو يلم) يعني أو يقرب، وهذا قول (أبي عبيد).
وقوله (فمن أخذ مالا بحقه يبارك له فيه). البركة: الكثرة والاتساع هكذا قاله لنا (ابن عرفة) وسألت عنه (الحامض) فلم يذكره. يقول من أخذ من الدنيا شيئا على طريق الاقتصاد والرضى بالقسم حيي بعز القناعة وغنى النفس حياة طيبة، ومن طمح بصره إلى كل ما يرى من المتاع بها فهو في منزلة البهيمة التي تأكل فتمتليء ثم تروث. والثلط: الروث وتبول ثم تجتر. والجرة أن تخرج ما في بطنها بعد الامتلاء فتديره في فمها ثم تعاود الأكل، لا تعرف غير هذه الحال. قال الله عز وجل:
(والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم).
وقوله: (فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع) قال (ابن البرتي):
معناه يكثر الأكل كما تقول: فلان يتكلم ولا يسكت ويبكي ولا يرفأ دمعه.