التمهيد - ابن عبد البر - ج ١ - الصفحة ١٩٥
ومن هذا حديث ابن مسعود قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا ومنه قوله عليه السلام لا تشادوا الدين فإنه من يغالب الدين يغلبه الدين ومنه الحديث ان هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فان المنبت لا يقطع أرضا ولا يبقى ظهرا وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو وكان يصوم النهار ويقوم الليل لا تفعل فإنك إذا فعلت ذلك نفهت (أ) نفسك يعنى أعيت وكلت يقال للمعى منفه ونافه وجمع نافه نفه (ب) كذلك فسره أبو عبيد عن أبي عبيدة وأبي عمرو قال وقال الأصمعي الايغال السير الشديد وأما الوغول فهو الدخول وقد جعل مطرف بن عبد الله بن الشخير رحمه الله الغلو في أعمال البر سيئة والتقصير سيئة فقال الحسنة بين سيئتين وأما لفظه في قوله ان الله لا يمل حتى تملوا فلفظ مخرج على مثال لفظ ومعلوم أن الله عز وجل لا يمل سواء مل الناس أو لم يملوا ولا يدخله ملال (ج) في شيء من الأشياء جل وتعالى علوا كبيرا وانما جاء لفظ هذا الحديث على المعروف من لغة العرب بأنهم كانوا إذا وضعوا لفظا بإزاء لفظ وقبالته جوابا له وجزاء ذكروه بمثل لفظه وان كان مخالفا له في معناه الا ترى إلى قوله عز وجل * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * وقوله * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * والجزاء لا يكون سيئة والقصاص لا يكون اعتداء لأنه حق وجب (د) ومثل ذلك قول الله تبارك وتعالى (ه) * (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) * وقوله * (إنما نحن مستهزؤون الله يستهزئ بهم) * وقوله * (إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا) * وليس من الله عز وجل هزؤ ولا مكر ولا كيد انما هو جزاء لمكرهم واستهزائهم وجزاء كيدهم فذكر الجزاء بمثل لفظ الابتداء لما وضع بحذائه وكذلك
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»