ذلك لا يعني عندهم أن الحديث صحيح، وإنما: أن شرطا من شروط الصحة قد تحقق فيه، وهذا إذا لم يقترن به شئ من الوهم أو التساهل الذي سبق بيانه، فمن أجل ذلك لم أعتبر القول المذكور نصا في التصحيح، يمكن الاعتماد عليه حين لا يتسير لنا الوقوف على إسناد الحديث مباشرة.
فينبغي التنبه لهذا، فإنه من الأمور الهامة التي يضر الجهل بها ضررا بالغا، أهمه نسبة التصحيح إلى قائله، وهو لا يقصده، وهذا مما سمعته من كثير من الطلاب وغيرهم في مختلف البلاد.
لماذا يقولون: رجاله ثقات، ولا يصرحون بتصحيح الاسناد؟
فان قيل: لماذا يلجأ الحافظ المنذري وأمثاله من الحفاظ إلى القول المذكور ما دام أنه لا يعني عندهم أن الحديث صحيح، ولا يفصحون بصحته كما نراهم يفعلون ذلك أحيانا؟
وجوابا عليه أقول:
إنما يلجأون إليه لتيسر ذلك عليهم، بخلاف الافصاح عن الصحة، فإنه يتطلب بحثا موضوعيا خاصا حول كل إسناد من أسانيد أحاديث الكتاب، وما أكثرها - حتى يغلب على ظن مؤلفه أنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو بمرتبة الحسن - ولا يحصل ذلك في النفس إلا ثبت لديه سلامته من أي علة قادحة فيه، وليس يخفى على كل من مارس عمليا فن التخريج، مقرونا بالتصحيح والتضعيف، وقضى في ذلك شطرا طويلا من عمره - وليس في مجرد العزو وتسويد الصفحات به - أن ذلك يتطلب جهدا كبيرا، ووقتا كثيرا، الامر الذي قد لا يتوفر لمن أراد مثل هذا التحقيق، وقد يتوفر ذلك للبعض، ولكن يعوزه الهمة والنشاط، والداب على البحث في الأمهات والأصول المطبوعة والمخطوطة والصبر عليه، وقد يجد بعضهم كل ذلك، ولكن ليس لديه تلك المصادر الكثيرة التي لا بد منها لكل من تحققت تلك المواصفات التي ذكرنا، مع المعرفة التامة بطرق