كتاب الهواتف - ابن أبي الدنيا - الصفحة ٣٤
ويتفرقون.
قال: فمكث بذلك أياما حتى فرغ من أمر الناس، ثم جلس ونفر من خاصة إخوانه، فقال: قد تزايد سروري بداري هذه، وقد حدثت نفسي أن أتخذ لكل واحد من ولدي مثلها، فأقيموا عندي أياما استمتع بحديثكم، وأشاوركم فيما أريد من هذا البناء لولدي، فأقاموا عنده أياما يلهون، ويشاورهم كيف يبني لولده، وكيف يريد أن يصنع، فبينا هم ذات يوم في لهوهم حدث إذ سمعوا قائلا يقول من أقاصي الدار:
يا أيها الباني الناسي ميتته * لا تنس فإن الموت مكتوب على الخلائق ليرشدوا أو لينزجروا * فالموت حتف لذي الآمال منصوب لا تبنين دارا لست تسكنها * وراجع النسك كي يغفر الحوب قال: ففزع هذا، وفزع أصحابه فزعا شديدا، وراعهم ما سمعوا من هذا. فقال لأصحابه: هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم. قال: فهل تجدون ما أجد؟ قالوا: وما تجده؟ قال أجد والله مسكة على بدني ما أراها إلا علة الموت. قالوا: كلا بل البقاء والعافية.
قال: فبكى ثم أقبل عليهم فقال: أنتم أخلائي، وإخواني فما لي عندكم؟.
قالوا: مرنا بما أحببت من أمرك. قال: فأمر بالشراب فأهريق، ثم أمر بالملاهي فأخرجت، ثم قال: اللهم إني أشهدك، ومن حضر من عبادك أني تائب إليك من جميع ذنوبي، نادم على ما فرطت أيام مهلتي، وإياك أسأل إذا هديتني أن تتم علي نعمتك باقي أيامي في طاعتك، وإن أنت قبضتني إليك أن تغفر لي ذنوبي تفضلا منك علي، واشتد به الأمر فلم يزل يقول: الموت والله، الموت والله، حتى خرجت نفسه.
فكان الفقهاء يرون أنه مات على توبة ".
(34) - حدثني محمد بن الحسين، حدثني يوسف بن الحكم الرقي، حدثني فياض
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»
الفهرست