عمدة القاري - العيني - ج ٢٥ - الصفحة ١٤٤
قوله: هه ه أي: مقدار ذلك لأن اليوم يعرف بطلوع الشمس، وغروبها، ولم يكن يومئذ شمس ولا قمر، والحكمة في خلقها في ستة أيام مع قدرته على خلقها في لحظة واحدة لوجوه: الأول: أنه أراد أن يوقع في كل يوم أمرا تستعظمه الملائكة ومن يشاهده، وهذا عند من يقول: خلق الملائكة قبل السماوات والأرض. والثاني: ليعلم عباده التثبت في الأمور فالتثبت أبلغ في الحكمة والتعجيل أبلغ في القدرة. الثالث: أن الإمهال في خلق شيء بعد شيء أبعد من أن يظن أن ذلك وقع بالطبع أو بالاتفاق. الرابع: ليعلمنا بذلك الحساب. لأن أصل الحساب من ستة، ومنه يتفرع سائر الأعداد. قوله: * (ثم استوى على العرش) * قد ذكرنا معنى الاستواء عن قريب، وخص العرش بذلك لأنه أعظم المخلوقات، والعرش في اللغة: السرير، قاله الخليل. قوله: * (يغشى الليل والنهار) * الإغشاء إلباس الشيء الشيء. وقال الزجاج: المعنى أن الليل يأتي على النهار فيغطيه، وإنما لم يقل: ويغشى النهار الليل، لأن في الكلام دليلا، عليه كقوله: * (والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون) * قال في موضع آخر: * (خلق السماوات والارض بالحق يكور اليل على النهار ويكور النهار على اليل وسخر الشمس والقمر كل يجرى لاجل مسمى ألا هو العزيز الغفار) * قوله: * (يطلبه حثيثا) * أي: يطلب الليل النهار محثوثا أي: بالسرعة. قوله: * (مسخرات) * أي: مذللات لما يراد منهن من طلوع وأفول وسير على حسب الإرادة. قوله: * (ألا له الخلق والأمر) * والغرض من إيراد الآية هنا هو أن يعلم أن الأمر غير الخلق لأن بينهما حرف العطف، وعن ابن عيينة: فرق بين الخلق والأمر فمن جمع بينهما فقد كفر أي: من جعل الأمر من جملة ما خلقه فقد كفر، وفيه خلاف المعتزلة، ومعنى هذا الباب إثبات الكلام لله تعالى صفة لذاته ولم يزل متكلما ولا يزال كمعنى الباب الذي قبله، وإن كان وصف الله كلامه بأنه كلمات فإنه شيء واحد لا يتجزىء ولا ينقسم، وكذلك يعبر عنه بعبارات مختلفة تارة عربية وتارة سريانية وبجميع الألسنة التي أنزلها الله على أنبيائه وجعلها عبارة عن كلامه القديم الذي لا يشبه كلام المخلوقين، ولو كانت كلماته مخلوقة لنفدت كما ينفد البحار والأشجار وجميع المحدثات، فكما لا يحاط بوصفه تعالى كذلك لا يحاط بكلماته وجميع صفاته.
7463 حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن أبي الزنادد عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته، إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلمته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه بما نال من أجر أو غنيمة ا مطابقته للترجمة في قوله: وتصديق كلمته وفي رواية عن أبي ذر، كلماته، بصيغة الجمع.
والحديث مر عن قريب بشرحه، وأخرجه هناك عن إسماعيل عن مالك.
31 ((باب في المشيئة والإرادة * (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) *)) أي: هذا باب في ذكر المشيئة والإرادة، قال الراغب: المشيئة عند الأكثر كالإرادة سواء، وقال الكرماني: وللإرادة تعريفات مثل: اعتقاد النفع في الفعل أو تركه، والأصح أنها صفة مخصصة لأحد طرفي المقدر بالوقوع، والمشيئة ترادفها، وقيل: هي الإرادة المتعلقة بأحد الطرفين، وفي التوضيح معنى الباب إثبات المشيئة والإرادة لله تعالى، وأن مشيئته وإرادته ورحمته وغضبه وسخطه وكراهته كل ذلك بمعنى واحد أسماء مترادفة، وهي راجعة كلها إلى معنى الإرادة، كما يسمي الشيء الواحد بأسماء كثيرة، وإرادته تعالى صفة من صفات ذاته خلافا لمن يقول من المعتزلة: إنها مخلوقة من أوصاف أفعاله.
وقوله تعالى: * (قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشآء وتنزع الملك ممن تشآء وتعز من تشآء وتذل من تشآء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير) * * (إلا أن يشآء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربى لاقرب من هاذا رشدا) * * (إنك لا تهدى من أحببت ولاكن الله يهدى من يشآء وهو أعلم بالمهتدين) *
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»