عمدة القاري - العيني - ج ٢٢ - الصفحة ٣٧
وأبو بكر وعمرو وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم، يتختمون في اليسار.
وقد اختلف الرواة عن أنس: هل كان يتختم في يمينه أو يساره؟ وقد، رواه عنه ثابت البناني، وثمامة بن عبد الله، وحميد الطويل، وشريك بن بيان على الشك فيه، وعبد العزيز بن صهيب، وقتادة، ومحمد بن مسلم الزهري. فأما ثمامة وحميد وشريك بن بيان وعبد العزيز بن صهيب فليس في رواياتهم تعرض لذكر اليمين أو اليسار. وأما رواية ثابت وقتادة والزهري ففيها التعرض لذلك. فأما رواية ثابت فأخرجها مسلم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، في هذه، وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى. وأما رواية قتادة فاختلف عليه فيها، فقال سعيد بن أبي عروبة عنه عن أنس: كان يتختم في يمينه، وقال شعبة وعمرو بن عامر عن قتادة، عنه: كان يتختم في يساره، وأما رواية الزهري فرواها طلحة ويحيى الزرقي وسليمان بن بلال عن يونس عن الزهري عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتم فضة في يمينه، ورواه ابن وهب ومعتمر ابن سليمان عن يونس عن الزهري عن أنس من غير تعرض لذكر لبسه له في يمينه.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن اختلاف الأحاديث في ذلك، فقال: لا يثبت هذا ولا هذا، ولكن في يمينه أكثر، ورجح الشافعية اليمين وهو الأشهر عندهم، وقال شيخنا في (شرح الترمذي): في الأحاديث استحباب التختم في اليمين، وهو أصح الوجهين لأصحاب الشافعي: أن التختم في اليمين أفضل منه في اليسار، وذهب مالك إلى استحباب التختم في اليسار، وكره التختم في اليمين وقال: إنما يأكل ويشرب ويعمل بيمينه فكيف يريد أن يأخذ باليسار ثم يعمل؟ قيل له: أفيجعل الخاتم في اليمين للحاجة يذكرها؟ قال: لا بأس بذلك، وأما مذهب الحنفية فقد ذكر في الأجناس وينبغي أن يلبس خاتمه في خنصره اليسرى ولا يلبسه في اليمين ولا في غير خنصر اليسرى من أصابعه، وسوى الفقيه أبو الليث في (شرح الجامع الصغير) بين اليمين واليسار، وقال بعض أصحابنا: هو الحق لاختلاف الروايات، ويقال: جاءت أحاديث صحيحة في اليمين، ولكن استقر الأمر على اليسار. قلت: يدل على ذلك ما قاله البغوي في (شرح السنة): إنه صلى الله عليه وسلم تختم أولا في يمينه ثم تختم في يساره، وكان ذلك آخر الأمرين. وقال بعضهم: والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف القصد، فإن كان القصد للتزين به فاليمين أفضل، وإن كان للتختم به فاليسار أفضل، انتهى. قلت: إخفاء هذا كان أولى من ظهوره، ومن أين هذا التفصيل والحال أن التختم للزينة مكروه لا يليق للرجال؟ بل تركه أولى مطلقا إلا لذي حكم، كما ذكرناه. فإن قلت: إذا تختم في غير خنصره ما يكون حكمه؟ قلت: يكره أشد الكراهة، وفيه مخالفة للسنة. حكى صاحب (الكافي) من الشافعية وجهين في جواز لبسه في غير خنصره، وذكر الرافعي أن المرأة قد تتختم في غير الخنصر. فإن قلت: إذا كان التختم بغير الفضة ماذا يكون حكمه؟ قلت: أما من الذهب فحرام على الرجال، وأما من الحديد والرصاص والنحاس ونحوها فكذلك حرام مطلقا، وأما العقيق فلا بأس بالتختم به، وروى أصحابنا أثرا فيه، وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان يتختم بالعقيق، وقال: تختموا به فإنه مبارك. قلت: فيه نظر، ولكن ابن منجويه روى عن إبراهيم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من تختم بالياقوت الأصفر لن يفتقر، والزمرد ينفي الفقر). وقال: من ليس العقيق لم يقض له إلا بالذي هو أسعد فإنه مبارك، وصلاة في خاتم عقيق بثمانين صلاة. وقال صاحب (التوضيح): ولا أصل لذلك، وروى عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تختم بالعقيق ونقش عليه: وما توفيقي إلا بالله، وفقه الله لكل خير وأحبه الملكان الموكلان به، ذكره ابن الجوزي في (الموضوعات).
54 ((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينقش على نقش خاتمه)) أي: هذا باب يذكر فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم... إلى آخره.
5877 حدثنا مسدد حدثنا حماد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة ونقش فيه: محمد رسول الله، وقال: إني اتخذت خاتما من
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»