مطابقته للترجمة في قوله: (وتشميت العاطس) وقال ابن بطال، ما ملخصه إن الترجمة مقيدة بالحمد والحديث مطلق، وظاهره أن كل عاطس يشمت على التعميم، والمناسب للترجمة حديث أبي هريرة لأنه مقيد بالحمد، وكان ينبغي أن يقدم حديث أبي هريرة ثم يذكر حديث البراء، ثم اعتذر عنه بأن هذا من الأبواب التي أعجلته المنية عن تهذيبها، وقال بعضهم نصرة للبخاري ما ملخصه: إنه يرد عذره المذكور وإنه إنما الذي فعله إما إشارة إلى ما وقع في بعض طرق الحديث الذي يورده، وإما في حديث آخر وعد العلماء ذلك من دقيق فهمه وحسن تصرفه، فإن إيثار الأخفى على الأجلى شحذا للذهن وبعثا للطالب على تتبع طرق الحديث. انتهى. قلت: أما كلام ابن بطال فإنه غير جلي لأنه لو قدم المقيد على المطلق لأورد عليه بأن المقيد جزء المطلق، وتقديم المتضمن للجزء أولى، والذي قصده يفهم من هذا الوضع على أن الترتيب ليس بشرط، وأما كلام بعضهم فلا يجدي شيئا لأن من وقف على حديث من أحاديث الكتاب يتعسر عليه أن يقف على ما وقع في بعض طرقه وفي تحصيل حديث آخر. وقوله فإن في إيثار الأخفى... إلى آخره تنويه للناظر وإحالة على تتبع أمر مجهول، وهذا ليس بدأب عند العلماء.
وحديث البراء هذا مضى في الجنائز عن أبي الوليد، وفي المظالم عن سعيد بن الربيع، وفي اللباس عن آدم، وفي الطب عن حفص بن عمر، وفي النكاح عن الحسن بن الربيع، وسيأتي في النذور.
قوله: (وتشميت العاطس)، ظاهر الأمر فيه يدل على أنه واجب، وكذلك أحاديث أخر في هذا الباب يدل ظاهرها على الوجوب، وبه قال ابن المزين من المالكية، وأهل الظاهر، وقال بعض الناس: إنه فرض عين، وعند جمهور العلماء من أصحاب المذاهب الأربعة: إنه فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وذهب عبد الوهاب وجماعة من المالكية إنه مستحب.
ثم قوله: (وتشميت العاطس) عام خص به جماعة: الأول: من لم يحمد، وسيأتي في باب مفرد. والثاني: الكافر، وقد أخرج أبو داود من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كانت اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم، رجاء أن يقول: يرحمكم، وكان يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم. والثالث: المزكوم إذا تكرر منه العطاس وزاد على الثلاث، وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد من طريق محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: شمته واحدة وثنتين وثلاثا، فما كان بعد ذلك فهو زكام، وأخرجه أبو داود من رواية الليث عن ابن عجلان، وقال فيه: لا أعلمه إلا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عمرو بن العاص: شمتوه ثلاثا فإن زاد فهو داء يخرج من رأسه، وهو موقوف أيضا، ومن طريق عبد الله بن الزبير أن رجلا عطس عنده فشمت ثم عطس فقال في الرابعة: أنت مضنوك، أي: مزكوم، والضناك بالضم الزكام، قاله ابن الأثير. والرابع: من يكره التشميت، قيل: كيف يترك السنة؟ وأجيب: بأنها سنة لمن أحبها، فأما من كرهها ورغب عنها فلا، ويطرد ذلك في السلام والعيادة، وقال ابن دقيق العيد: والذي عندي أنه لا يمتنع إلا من خاف منه ضررا، فأما غيره فيشمت امتثالا للأمر، ويناقضه للتكبر في مراده. قلت: قد جرت العادة عند سلاطين مصر أنه إذا عطس لا يشمته أحد، وإذا دخل عليه أحد لا يسلم عليه، والذي قاله الشيخ يعمل فيه بالتفصيل المذكور. والخامس: عند الخطبة يوم الجمعة، لأن التشميت يخل بالإنصات المأمور به. والسادس: من عطس وهو يجامع أو في الخلاء فيؤخر ثم يحمد ويشمته من سمعه، فلو خالف فحمد في تلك الحالة هل يستحق التشميت؟ قال بعضهم: فيه نظر. قلت: النظر أنه يشمت لظاهر الحديث.
قوله: (وإبرار المقسم)، أي: تصديق من أقسم عليك وهو أن تفعل ما سأله، ويروى: وإبرار القسم. قوله: (أو قال: حلقة الذهب) شك من الراوي. قوله: ( والسندس)، هو ما رق من الديباج ورفع. قوله: (والمياثر). جمع الميثرة بكسر الميم من الوثارة بالثاء المثلثة والراء وهي مركب كانت النساء تصنعه لأزواجهن على السروج، فإن قلت: المنهيات خمسة لا سبعة هنا؟ قلت: السادس: القسي، والسابع: آنية الفضة، ذكرهما في كتاب اللباس.
125 ((باب ما يستحب من العطاس وما يكره من التثاؤب)) أي: هذا باب في بيان الذي يستحب من العطاس، وكراهة التثاؤب وهو بالهمزة على الأصح، وقيل بالواو، وقيل: التثاؤب