معناه: انظروا من في الدار. وقال بعضهم: وحكى الطحاوي أن الاستئناس في لغة اليمن الاستئذان، ثم قال: وجاء عن ابن عباس إنكار ذلك. قلت: هذا قتادة قد فسر الاستئناس بالاستئذان كما ذكرناه الآن، فقصد هذا القائل إظهار ما في قلبه من الحقد للحنفية. قوله: (ذلكم) أي: الاستئذان والتسليم خير لكم من تحية الجاهلية والدمور وهو الدخول بغير إذن. قوله: (تذكرون) أصله: تتذكرون فحذفت إحدى التاءين. قوله: (فإن لم تجدوا فيها) أي: في البيوت أحدا من الآذنين فلا تدخلوها فاصبروا حتى تجدوا من يأذن لكم، ويحتمل: فإن لم تجدوا فيها أحدا من أهلها ولكم فيها حاجة فلا تدخلوها إلا بإذن أهلها. قوله: (فارجعوا) ولا تقفوا على أبوابها ولا تلازموها. قوله: (هو) أي: الرجوع (أزكى) أي أطهر وأصلح، فلما نزلت هذه الآية قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه يا رسول الله! أرأيت الخانات والمساكن في طريق الشام ليس فيها ساكن؟ فأنزل الله تعالى: * (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة) * بغير استئذان. قوله: (فيها متاع لكم) أي: منفعة لكم. واختلفوا في هذه البيوت ما هي، قال قتادة: هي الخانات والبيوت المبنية للسائلة يأوو إليها ويأووا أمتعتهم فيها. وقال مجاهد: كانوا يضعون بطريق المدينة أقتابا وأمتعة في بيوت ليس فيها أحد، وكانت الطرقات إذ ذاك آمنة، فأحل لهم أن يدخلوها بغير إذن. وعن محمد بن الحنفية وأبيه علي رضي الله عنهما هي بيوت مكة. وقال الضحاك: هي الخربة التي يأوي إليها المسافر في الصيف والشتاء، وقال عطاء: هي البيوت الخربة، والمتاع قضاء الحاجة فيها من البول وغيره، وقال ابن زيد: هي بيوت التجار وحوانيتهم التي بالأسواق. وقال ابن جريج: هي جميع ما يكون من البيوت التي لا ساكن فيها على العموم.
وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن. قال: إصرف بصرك عنهم. قول الله عز وجل: * ((42) قل للمؤمنين.. فروجهم) * (النور: 30). وقال قتادة: عما لا يحل لهم وجه ذكر هذا عقيب ذكر الآيات الثلاث المذكورة الإشارة إلى أن أصل مشروعية الاستئذان الاحتراز من وقوع النظر إلى ما لا يريد صاحب المنزل النظر إليه لو دخل بلا إذن، ثم قوله: وقال سعيد بن أبي الحسن... إلى آخر ما ذكرناه، كذا هو في رواية الكشميهني، فالحسن استدل بالآية المذكورة، وذكر البخاري أثر قتادة تفسيرا لها، وسعيد بن أبي الحسن هو أخو الحسن البصري تابعي ثقة قال البخاري: مات قبل الحسن البصري. قوله: (قال: اصرف) أي: قال الحسن البصري لأخيه: إصرف بصرك عنهن، قوله: قول الله عز وجل، ويروى: يقول الله تعالى ذكره في معرض الاستدلال، ويجوز في: قول الله، الفرع والنصب، أما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هذا قول الله، وأما النصب فعلى تقدير: إقرأ قول الله عز وجل، وأتر قتادة أخرجه ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى: * ((42) ويحفظوا فروجهم) * (النور: 31)... إلى آخره، وعلى هذه الرواية. وهي رواية الأكثرين تكون ترجمة مستأنفة.
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن هذه أيضا من تتمة استدلال الحسن بها، غير أن أثر قتادة تخلل بينهما، كذا وقع للأكثرين، وسقط جميع ذلك من رواية النسفي، فقال بعد قوله: * (حتى تستأنسوا) * الآيتين: وقول الله عز وجل: * (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) *... الآية. * (وقل للمؤمنات يغضضن) *.
خائنة الأعين من النظر إلى ما نهي عنه كذا وقع في رواية الأكثرين بضم النون في قوله: (ما نهي عنه) يعني: على صيغة المجهول، ووقع في رواية كريمة: إلى ما نهى الله عنه. قال الله عز وجل: * ((04) يعلم خائنة الأعين) * (غافر: 19) وهي صفة للنظرة، أي: يعلم النظرة المسترقة إلى ما لا يحل. وروى ابن أبي حاتم من طريق ابن عباس في قوله تعالى: * (يعلم خائنة الأعين) * قال: هو الرجل ينظر إلى المرأة الحسناء تمر به، أو يدخل بيتا هي فيه فإذا فطن به غض بصره، وقد علم الله تعالى أنه يود أن لو اطلع على فرجها، وإذا قدر عليها الزنى بها. وقال الكرماني: