كلمت ابن الزبير وأعتقت في نذرها ذالك أربعين رقبة، وكانت تذكر نذرها بعد ذالك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها. (انظر الحديث 3503 وطرفه).
مطابقته للترجمة من حيث إنه متضمن لهجرة عائشة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، أكثر من ثلاثة أيام. فإن قلت: لم هجرت عائشة أكثر من ثلاثة أيام؟ قلت: معنى الهجرة المذمومة لا يصدق على هجرتها، لأن الهجرة المذمومة هي ترك الكلام عند التلاقي وعائشة لم تكن تلقاه فتعرض عن السلام عليه، وإنما كانت من وراء حجاب، ولم يكن أحد يدخل عليها إلا بإذن فلم يكن ذلك من الهجرة المذمومة، وأيضا إنما ساغ ذلك لعائشة لأنها أم المؤمنين لا سيما بالنسبة إلى ابن الزبير لأنها خالته، وذلك الكلام الذي قال في حقها. وهو قوله: لتنتهين عائشة ولأحجرن عليها، كالعقوق لها، فهجرتها إياه كانت تأديبا له، وهذا من باب الهجران لمن عصى.
وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة الحمصي، والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب، وعوف بفتح العين المهملة وسكون الواو والفاء ابن الطفيل بضم الطاء المهملة ابن عبد الله بن الحارث بن سخبرة بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة وبالراء ابن جرثومة بضم الجيم وسكون الراء وضم الثاء المثلة وبالميم ابن عائدة بن مرة بن جشم بن أوس بن عامر القرشي، وقال ابن أبي خيثمة: لا أدري من أي قريش هو؟ وقال أبو عمر: ليس من قريش، وإنما هو من الأزد. وقال الواقدي: كانت أم رومان تحت عبد الله بن سخبرة وكان قدم بها مكة فحالف أبا بكر قبل الإسلام فتوفي عن أم رومان وقد ولدت له الطفيل، ثم خلف عليها أبو بكر رضي الله عنه، فولدت له عبد الرحمن وعائشة، فهما أخو الطفيل هذا لأمه، وذكر أبو عمر الطفيل هذا في (الاستيعاب) في الصحابة، وقال الذهبي: الطفيل هذا صحابي روى عنه ربعي بن حراش الزهري، وقال في (جامع الأصول): عوف بن مالك بن الطفيل، وقال الكلاباذي: عوف بن الحارث بن الطفيل، وفي سند حديث الباب مثل ما قال في (جامع الأصول). وقال علي بن المديني: هكذا اختلفوا فيه والصواب عندي وهو المعروف: عوف بن الحارث بن الطفيل، فعلى هذا قول صاحب (جامع الأصول): عوف بن مالك بن الطفيل ليس بجيد.
قوله: (حدثت) على صيغة المجهول، أي: أخبرت، ويروى: حدثته. قوله: (في بيع أو عطاء أعطته عائشة) في رواية الأوزاعي: في دار لها باعتها فتسخط عبد الله بن الزبير ببيع تلك الدار، فقال: (والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها)، كلمة أو، ههنا بمعنى إلا في الاستثناء، فينصب المضارع بعدها بإضمار أن نحو قولهم: لأقتلنه أو يسلم، والمعنى إلا أن يسلم، والمعنى ههنا لتنتهين عائشة عما هي فيه من الإسراف إلا أن أحجر عليها، ويحتمل أن يكون: أو، هنا بمعنى: إلى، وينصب المضارع بعدها بأن مضمرة نحو: (لألزمنك أو تعطيني حقي) يعني: إلى أن تعطيني حقي، وفي الرواية المتقدمة في مناقب قريش: كان عبد الله ابن الزبير أحب البشر إلى عائشة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وكان أبر الناس بها، وكانت لا تمسك شيئا مما جاءها من رزق الله إلا تصدقت به، فقال ابن الزبير: ينبغي أن يؤخذ على يديها، فقالت: أيؤخذ على يدي؟ علي نذر إن كلمته. وكانت هذه القضية القضية قبل أن يلي عبد الله بن الزبير الخلافة، لأن عائشة ماتت سنة سبع وخمسين في خلافة معاوية، وكان ابن الزبير حينئذ لم يل شيئا. قوله: (قالت: أهو قال هذا؟) أي: قالت عائشة: أعبد الله بن الزبير قال هذا الكلام؟ قالوا: نعم. قوله: فقالت: هو أي: الشأن: (لله على نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا) وقال ابن التين: تقديره علي نذر إن كلمته، وقال الكرماني: ويروى: أن لا أتكلم، بفتح الهمزة وكسرها بزيادة: لا، والمقصود حلفها على عدم التكلم معه. قلت: هذا كلام الكرماني بعين ما قاله، وقال بعضهم: ووقع في بعض الروايات بحذف: لا، وشرح عليها الكرماني وضبطها بالكسر بصيغة الشرط وليس كما نقله فالذي ذكره الكرماني هو الذي ذكرناه. قوله: (فاستشفع ابن الزبير إليها) من الشفاعة وهو السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم. قوله: (حين طالت الهجرة) كذا في رواية الأكثرين بلفظ: حين، وفي رواية السرخسي والمستملي: حتى، بدل: حين، وفي رواية: فاستشفع عليها بالناس، فلم تقبل، وفي رواية عبد الرحمن بن خالد: فاستشفع ابن الزبير بالمهاجرين، وقد أخرج إبراهيم الحربي من طريق حميد بن قيس: أن عبد الله بن الزبير استشفع إليها بعبيد بن عمير، فقال لها: أين حديث أخبرتنيه عن رسول الله صلى الله