عمدة القاري - العيني - ج ٢٢ - الصفحة ١٣٩
كذا في رواية الأكثرين بالنصب، وفي رواية النسفي: إلا المجاهرون، بالرفع على قول الكوفيين لأن الاستثناء منقطع وتكون: إلا بمعنى.. لكن، والمعنى: لكن المجاهرون وبالمعاصي لا يعافون، فالمجاهرون مبتدأ والخبر محذوف، ووجه النصب هو الذي اختاره البصريون من أن الأصل في المستثنى أن يكون منصوبا، وقال الكرماني: حقه النصب على الاستثناء إلا أن يكون العفو بمعنى الترك وهو نوع من النفي، والمجاهر هو الذي جاهر بمعصيته وأظهرها، والمعنى: كل واحد من أمتي يعفى عن ذنبه ولا يؤاخذ به إلا الفاسق المعلن. وقال النووي: إن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون من لم يجاهر به. فإن قلت: المجاهر من باب المفاعلة يقتضي الاشتراك. قلت: معنى جاهر به جهر به كما في قوله تعالى: * (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) * أي: أسرعوا، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون على ظاهر المفاعلة، والمراد الذين يجاهر بعضهم بعضا بالتحدث بالمعاصي. قلت: فيه نظر لا يخفى. قوله: (وإن من المجانة)، بفتح الميم والجيم وهو عدم المبالاة بالقول والفعل، وفي رواية ابن السكن والكشميهني: وإن من المجاهرة، ووقع في رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد: وإن من الإجهار، وكذا عند مسلم، وفي رواية له: الهجار، وفي رواية الإسماعيلي: إلا هجار، وفي رواية أبي نعيم في (المستخرج): وإن من الجهار، وقال عياض: وقع للعذري والسجزي في مسلم: الإجهار وللفارسي: إلا هجار والأهجار والمجاهرة، كله صواب بمعنى الظهور والإظهار، وأما الإهجار فهو الفحش والخنى وكثرة الكلام وهو قريب من معنى المجانة، وأما لفظة: الهجار، فبعيد لفظا ومعنى لأن الهجار الحبل أو الوتر يشد به يد البعير، أو الحلقة التي يتعلم فيها الطعن، ولا يصح له هنا معنى، وقال بعضهم: بل له معنى صحيح أيضا فإنه يقال: هجر إذا أفحش في كلامه فهو مثل: جهر أو جهر، فما صح في هذا صح في هذا، ولا يلزم من استعمال الهجار بمعنى الحبل أو غيره أن لا يستعمل مصدرا من الهجر بضم الهاء. قلت: هذا كلام واه جدا، أما أولا: ففيه إثبات اللغة بالقياس. وأما ثانيا: فقوله: يستعمل مصدرا من الهجر بضم الهاء، غير صحيح لأن الهجر بالضم الاسم من الإهجار وهو الإفحاش في المنطق والخنى، وكيف يؤخذ المصدر من الاسم والمصدر أيضا مأخوذ منه غير مأخوذ؟ فافهم. قوله: (عملا) أي: معصية. قوله: (ثم يصبح). أي: يدخل في الصباح. قوله: (وقد ستره الله)، الواو فيه للحال. قوله: (عملت)، بلفظ المتكلم، البارحة: هي أقرب ليلة مضت من وقت القول. قوله: (يكشف)، جملة حالية.
6070 حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن صفوان بن محرز أن رجلا سأل ابن عمر: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول في النجوى؟ قال: يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه، فيقول: عملت كذا وكذا، فيقول: نعم ويقول: عملت كذا وكذا، فيقول: نعم، فيقرره ثم يقول: إني سترح عليك في الدنيا فأنا أغفرها لك اليوم.
قيل: لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن الترجمة في ستر المؤمن والحديث في ستر الله عز وجل. وأجيب: بأن ستر الله مستلزم لستره، وقيل: هو ستره إذا فعال العبد مخلوقة لله تعالى.
وأبو عوانة، بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري، وصفوان ابن محرز بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء وبالزاي في آخره المازني البصري، ماله في البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر تقدم في بدء الخلق عنه عن عمران بن حصين، وقد ذكرهما في عدة مواضع.
والحديث مضى في المظالم عن موسى بن إسماعيل وفي التفسير عن مسدد وسيأتي في التوحيد عن مسدد أيضا ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (في النجوى) هي المسارة التي تقع بين الله عز وجل وبين عبده المؤمن يوم القيامة. قوله: (يدنو) من الدنو وهو القرب الربي لا القرب المكاني قوله: (كنفه) بفتح الكاف والنون بعدهما فاء وهو الساتر أي: حتى يحيط به عنايته التامة، وقد صحفه بعضهم تصحيفا شنيعا فقال: بالتاء المثناة من فوق بدل النون. قوله: (عملت) بلفظ الخطاب كذا وكذا، مرتين متعلق بالقول لا بالعمل. قوله: (فيقرره) أي: يجعله مقرا بذلك. والحديث من المتشابهات فحكمه التفويض أو التأويل بما يليق به.
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»