عنها، قالت: مكث النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتي، قالت عائشة، قالت عائشة: فقال لي ذات يوم: يا عائشة! إن الله أفتاني في أمر استفتيته فيه، أتاني رجلان فجلس أحدهما عند رجلي والآخر عند رأسي، فقال الذي عند رجلي للذي عند رأسي: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب، يعني مسحورا. قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم. قال: وفيم؟ قال: في جف طلعة ذكر في مشط ومشاقة تحت رعوفة في بئر ذروان، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخرج. قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله! فهلا تعني: تنشرت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما الله فقد شفاني، وأما أنا فأكره أن أثير على الناس شرا. قالت: ولبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف ليهود.
وجه المطابقة بين هذا الحديث وبين الآيات المذكورة أن الله لما نهى عن البغي وأعلم أن ضرر البغي يرجع إلى الباغي وضمن النصرة لمن بغي عليه كان حق من بغي عليه أن يشكر الله على إحسانه إليه بأن يعفو عمن بغى عليه. ألا يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم، كيف ابتلي بالسحر ولم يعاقب ساحره مع قدرته على ذلك، وأما وجه المطابقة بينه وبين الترجمة الأخرى وهي قوله: (وترك إثارة الشر على مسلم أو كافر) هو من قوله: (وأما أنا فأكره أن أثير على الناس شرا).
والحميدي هو عبد الله بن الزبير ابن عيسى منسوب إلى أحد أجداده حميد، وسفيان هو ابن عيينة، وهشام بن عروة يروي عن أبيه عروة بن الزبير عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
والحديث قد مضى في كتاب الطب في: باب السحر، ومضى الكلام فيه مستقصى، ونذكر بعض شيء.
قوله: (فيخيل إليه أنه يأتي أهله) أي: يخيل إليه أنه يباشر أهله ولم يكن ثمة مباشرة. قوله: (ذات يوم) أي: يوما، وهو من باب إضافة المسمى إلى اسمه. قوله: (في أمر) أي: في أمر التخيل. قوله: (رجلان) هما الملكان بصورة الرجلين. قوله: (رجلي) مفرد أو مثنى. قوله: (مطبوب) فسره بقوله: أي: (مسحور) وهذا التفسير مدرج في الخبر. قوله: (ومن طببه؟) أي: نسحره. قوله: (وفيم؟) أي: في أي شيء؟ قوله: (في جف) بضم الجيم وتشديد الفاء وهو وعاء طلع النخل ويطلق على الذكر والأنثى. قوله: (ومشاقة) بضم الميم وتخفيف الشين المعجمة وبالقاف، وهي ما يغزل من الكتان. قوله: (راعوفة) بفتح الراء وضم العين المهملة وفتح الفاء وهي حجر في أسفل البئر. قوله: (ذروان) بفتح الذال المعجمة وسكون الراء وبالواو والنون وهو بستان فيه بئر بالمدينة. قوله: (أريتها) بضم الهمزة وكسر الراء وضم التاء المثناة من فوق. قوله: (رؤوس الشياطين) مثل في استقباح الصورة أي: أنها وحشية المنظر سمجة الشكل. قوله: (نقاعة) بضم النون وتخفيف القاف وتشديدها ماء ينفع فيه الحناء. قوله: (فأخرج) على صيغة المجهول أي: أخرج من تحت الرعوفة. قوله: (تنشرت) تفسير قوله: (فهلا) وهو أيضا مدرج في الخبر، وتنشرت على وزن تفعلت. قال الجوهري: التنشر من النشرة بضم النون وسكون الشين المعجمة وفتح الراء وهي كالرقية فإذا نشر المسموم فكأنما نشط من عقال، أي: يذهب عنه سريعا. وفي الحديث: (لعل طبا أصابه؟) يعني سحرا. ثم نشره * (قل أعوذ برب الناس) * أي: رقاه، وكذا قاله القزاز: وقال الداودي: معناه هلا اغتسلت ورقيت؟ قال صاحب (التوضيح): وظاهر الحديث أن تنشرت أظهرت السحر، توضحه الرواية الأخرى: (فهلا استخرجته؟) وروي أنه سئل عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان، وقال الحسن: النشرة من السحر وهو ضرب من الرقي والعلاج يعالج به من كان يظن أن به شيئا من الجن. وقال عياض: النشرة نوع من التطبب بالاغتسال على هيأة مخصوصة بالتجربة لا يحيلها القياس الظني، وقد اختلف العلماء في جوازها، وقيل: من قال: إن تنشرت مأخوذ من النشر أو من نشر الشيء وهو إظهاره كيف يجمع بين قولها: فأخرج؟ وبين قولها في الرواية الأخرى: (فهلا استخرجته)؟. وأجيب: بأن الإخراج الواقع كان لأصل السحر، والاستخراج