15 ((باب: * (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا) * (النساء: 88)) أي: هذا باب في قوله تعالى: * (فما لكم في المنافقين) * إلى آخره. أي: مالكم اختلفتم في شأن قوم نافقوا نفاقا ظاهرا وتفرقتم فيه فئتين أي: فرقتين، وما لكم تبينوا القول بكفرهم؟ وقال الزمخشري: فئتين، نصب على الحال كقولك: مالك قائما. قوله: (والله أركسهم) أي: ردهم في حكم المشركين كما كانوا بما كسبوا من ارتدادهم ولحوقهم بالمشركين. وعن قريب نذكر من هؤلاء المنافقون.
قال ابن عباس بددهم أراد إن ابن عباس فسر قوله تعالى: * (أركسهم) * بقوله بددهم، وهذا التعليق وصله الطبري من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله: * (والله أركسهم بما كسبوا) * قال: بددهم انتهى. يقال: بددهم تبديدا أي: فرقهم ومزق شملهم، وكذا بددت بدا. وعن ابن عباس أوقعهم، وعن قتادة. أهلكهم.
فئة جماعة أشار بهذا إلى أن فئتين، في الآية المذكورة تثنية فئة قوله: (جماعة) أي: معناها جماعة. وكذا كل ما ذكر في القرآن. نحو قوله تعالى: * (كم من فئة قليلة غلبت على فئة كثيرة) * (البقرة: 249) وقوله: * (فئة تقاتل في سبيل الله) * (آل عمران: 13).
4589 ح دثني محمد بن بشار حدثنا غندر وعبد الرحمان قالا حدثنا شعبة عن عدي عن عبد الله بن يزيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه فما لكم في المنافقين فئتين رجع ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أحد وكان الناس فيهم فرقتين فريق يقول اقتلهم وفريق يقول لا فنزلت: * (فما لكم في المنافقين فئتين) * وقال إنها طيبة تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة.
مطابقته للترجمة ظاهرة وغندر، بضم الغين المعجمة وسكون النون، لقب محمد بن جعفر، وعبد الرحمن هو ابن مهدي، وعدي، بفتح العين المهملة وكسر الدال، ابن ثابت التابعي، وعبد الله بن يزيد الخطمي، بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة، صحابي صغير.
والحديث مضى في: باب المدينة تنفي الخبث، في أواخر الحج عن سليمان بن حرب، وفي المغازي عن أبي الوليد، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (رجع ناس) هم عبد الله بن أبي سلول ومن تبعه. وكذر ابن إسحاق في وقعة أحد أن عبد الله بن أبي سلول رجع يومئذ بثلث الجيش. ورجع بثلاثمائة وبقي النبي صلى الله عليه وسلم في سبعمائة. قوله: (طيبة) بفتح الطاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف، وهو اسم من أسماء مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (الخبث)، بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة، وخبث الفضة والحديد ما نقاه الكير، وفي رواية الحموي: خبث الحديد، وقال العوفي عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في قوم كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام وكانوا يظاهرون المشركين، فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم. فقالوا: إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا منهم بأس، وإن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة. قالت فئة من المؤمنين اركبوا إلى الخبثاء فاقتلوهم فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم. وقالت فئة أخرى من المؤمنين: سبحان الله، أو كما قالوا: أتقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا ويتركوا ديارهم أتستحل دماؤهم وأموالهم؟ فكانوا كذلك فئتين والرسول عندهم لا ينهى واحدا من الفريقين عن شيء. فنزلت: * (فما لكم في المنافقين فئتين) * (النساء: 88) رواه ابن أبي حاتم، وقال زيد بن أسلم عن ابن سعد ابن معاذ أنها نزلت في تقاول الأوس والخزرج في شأن عبد الله بن أبي حين استعذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر في قضية الإفك، وهذا غريب، وقيل غير ذلك.