عمدة القاري - العيني - ج ١٨ - الصفحة ١٨٢
أي: هذا باب في قوله تعالى: * (ومن يقتل مؤمنا) * (النساء: 93) الآية. قال الواحدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: إن مقيس بن صبابة الليثي وجد أخاه هشام بن صبابة قتيلا في بني النجار، وكان مسلما فأتى مقيس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأرسل معه رسولا من بني فهر إلى بني النجار يأمرهم إن علموا قاتله يدفعوه إلى أخيه فيقتص منه، وإن لم يعلموا له قاتلا أن يدفعوا إليه الدية. فقالوا: سمعا وطاعة. والله ما نعلم له قاتلا ولكنا نؤدي إليه ديته، فأعطوه مائة من الإبل فوسوس إليه الشيطان فقتل الفهري، ورجع إلى مكة كافرا، فنزلت فيه هذه الآية ثم أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح، فقتل بأسياف المسلمين بالسوق. وذكر مقاتل أن الفهري اسمه: عمرو، قلت: قيس، بفتح الميم وكسرها وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره سين مهملة وصبابة، بضم الصاد المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبعد الألف باء أخرى، وقال أبو عمر: وهشام بن صبابة أخو مقيس بن صبابة قتل في غزوة ذي قرد مسلما، وذلك في سنة ست من الهجرة أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت وهو يرى أنه من العدو فقالته خطأ، وقال الذهبي: هشام بن صبابة الكناني الليثي أخو مقيس، أسلم ووجد قتيلا في بني النجار، وقال ابن إسحاق وغيره قتل في غزوة المريسيع قتله أنصاري فظنه من العدو.
4590 ح دثنا آدم بن إياس حدثنا شعبة حدثنا المغيرة بن النعمان قال سمعت سعيد بن جبير قال آية اختلف فيها أهل الكوفة فدخلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال نزلت هاذه الآية * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) * هي آخر ما نزل وما نسخها شيء.
مطابقته للترجمة ظاهرة. والمغيرة، بضم الميم وكسرها ابن النعمان بضم النون النخعي الكوفي.
والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب عن أبي موسى وبندار. وأخرجه أبو داود في الفتن عن أحمد بن حنبل. وأخرجه النسائي في القصاص وفي المحاربة وفي التفسير عن أزهر بن جميل.
قوله: (آية اختلف فيها أهل الكوفة فدخلت فيها) وفي تفسير سورة الفرقان عن غندر عن شعبة بلفظ: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن، فدخلت فيه إلى ابن عباس، وفي رواية الكشميهني: فرحلت، بالراء والحاء المهملة، وهذه أصوب، والوجه في رواية، فدخلت بالدال والخاء المعجمة أن يقدر شيء تقديره، فدخلت بعد رحلتي إلى ابن عباس، وكلمة إلى، يجوز أن تكون بمعنى: عند، وعلى أصل بابها والمعنى: انتهى دخولي إليه. قوله: (فيها)، أي: في حكمها، وقال الكرماني، رحمه الله في قوله: اختلف فيها أهل الكوفة، ويروى: اختلف فيها فقهاء أهل الكوفة، جمع فقيه، قال: ولفظ، فيها حينئذ مقدر قوله: (متعمدا) أي: قاصدا قتله بعمد، وصورة العمد أن يقتله بالسيف، أو بغيره مما يفرق الأجزاء من الآلات التي يقصد بها القتل. وانتصابه على الحال. قوله: (فجزاؤه) خبر قوله: (ومن يقتل) ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط. قوله: (هي آخر ما نزل) أي: الآية المذكورة آخر ما نزل في هذا الباب (وما نسخها شيء) أي: من آخر ما نزل وذكر أبو جعفر النحاس أن للعلماء في هذه الآية الكريمة المذكورة أقوالا الأول: لا توبة له، روي ذلك عن ابن عباس وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعبيد بن عمير والحسن البصري الضحاك. فقالوا: الآية محكمة.
الثاني: أنه له توبة، قاله جماعة من العلماء، وروي أيضا عن ابن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت.
الثالث: أن أمره إلى الله تعالى تاب أو لم يتب، وعليه الفقهاء: أبو حنيفة وأصحابه ومحمد بن إدريس يقوله في كثير من هذا إلا أن يعفو الله تعالى عنه. أو معنى هذا الرابع: قال أبو مجلز لاحق بن حميد المعنى جزاؤه إن جازاه، وروى عاصم بن أبي النجود عن ابن جبير عن ابن عباس، أنه قال: هو جزاؤه إن جازاه، وروى ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال في الآية: (هو جزاؤه إن جازاه).
وذكر أبو عبد الله الموصلي الحنبلي في كتابه (الناسخ والمنسوخ) ذهب كثير من العلماء إلى أن آية النساء منسوخة. ثم اختلفوا في الناسخ. فقال بعضهم: نسختها آية الفرقان. لأنه قال: (إلا من تاب) بعد ذكر الشرك والزنى والقتل، وقال أكثرهم: نسخت بقوله: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * وقد اختلف عن ابن عباس أيضا فروي عنه أن هذه الآية نزلت في أهل الشرك وعنه نسختها التي في النساء، وقال أبو الحسن بن الحصار في كتابه (الناسخ والمنسوخ) الآيتان لم يتواردا على حكم
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»