مقربة لهم، وكأنه أراد أن سدرة المنتهى استبينت له كل الاستبانة حتى اطلع عليها كل الاطلاع بمثابة الشيء المقرب إليه، وفي معناه: رفع لي البيت المعمور، ورفع لي بيت المقدس، وسميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يتجاوزها أحد إلا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، و: رفعت على صيغة للمتكلم هذا هكذا رواية الأكثرين وفي رواية الكشميهني رفعت بفتح العين وسكونه التاء أي رفعت السدرة لي أي لأجلي، وفي رواية الأكثرين صلة: رفعت، كلمة إلى، وفي رواية الكشميهني حرف الجر، وهو اللام. قوله: (فإذا نبقها) كلمة: إذا، للمفاجأة، و: النبق، بفتح النون وكسر الباء الموحدة وبسكونها أيضا: وهو جمع نبقة وهو حمل السدر. فإن قلت: لم اختيرت السدة دون غيرها؟ قلت: لأن فيها ثلاثة أوصاف: ظل ممدود وطعام لذيذ ورائحة زكية. قوله: (مثل قلال هجر) قال الخطابي: القلال، بكسر القاف جمع قلة بالضم وتشديد اللام، وهي الجرار، يريد أن ثمرها في الكبر مثل القلال وكانت معروفة عند المخاطبين، فلذلك وقع التمثيل بها. قال: وهي التي وقع حد الماء الكثير بها في قوله: (إذا بلغ الماء قلتين). ويقال: القلة جرة كبيرة تسع قربتين وأكثر، و: هجر، بفتح الهاء والجيم وهو اسم بلد بقرب مدينة النبي صلى الله عليه وسلم مذكر منصرف وهو غير هجر البحرين، وقيل: غير منصرف للعلمية والتأنيث. قلت: إذا جعل علما للبلدة يكون غير منصرف. قوله: (الفيلة)، بكسر الفاء وفتح الياء: جمع الفيل، ووقع في بدء الخلق: مثل آذان الفيول، وهو جمع فيل أيضا. قوله: (وإذا أربعة أنهار) وفي بدء الخلق: فإذا في أصلها، أي في أصل سدرة المنتهى أربعة أنهار، وفي رواية مسلم: يخرج من أصلها. فإن قلت: وقع في (صحيح مسلم) من حديث أبي هريرة: أربعة أنهار من الجنة: النيل والفرات وسيحان وجيحان قلت: أجيب بأنه يحتمل أن تكون سدرة المنتهى مغروسة في الجنة والأنهار تخرج من أصلها فيصح أنها من الجنة. قوله: (نهران باطنان)، قال مقاتل: هو السلسبيل والكوثر، والباطن أجل من الظاهر لأن الباطن جعل في دار البقاء والظاهر جعل في دار الفناء. قوله: (وأما الظاهران: فالنيل والفرات) النيل نهر مصر، والفرات نهر بغداد بالجانب الغربي منها، كذا قاله الكرماني، وليس كذلك على ما نذكره الآن، وهو بالتاء الممدودة في الخط في حالتي الوصل والوقف، وقال الطيبي: النيل والفرات يخرجان من أصلها ثم يسيران حيث أراد الله تعالى ثم يخرجان من الأرض ويسيران فيها، وهذا لا يمنعه شرع ولا عقل، وهو ظاهر الحديث، فوجب المصير إليه. قال القاضي: يدل هذا على أن أصل السدرة في الأرض لخروج النيل والفرات من أصلها. قلت: لا يلزم من خروجهما من أصلها أن يكون أصلها في الأرض، بل الأوجه ما ذكرناه. قلت: اتفقوا على أن مبدأ النيل من جبال القمر بالإضافة، وبضم القاف وسكون الميم، ويقال: بفتح القاف والميم: تشبيها للقمر في بياضه ينبع من اثني عشر عينا ثم ينبعث منها عشرة أنهار أحدها نيل مصر وهو أول العيون يجري على بلاد الحبشة في قفار ومفاوز، وقال ابن الأثير: ليس في الدنيا نهر أطول منه لأنه مسيرة شهرين في الإسلام وشهرين في النوبة وأربعة أشهر في الخراب، والفرات اسم نهر بالكوفة قاله الجوهري، واختلفوا في مخرجه على قولين: أحدهما: أنه من جبل ببلد الروم يقال له أفردخش، بينه وبين قاليقلا مسيرة يوم. والثاني: أنه من أطراف أرمينية. قوله: (ثم رفع لي البيت المعمور)، وزاد الكشميهني: يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، وقد مر معنى رفع عن قريب، قال الله تعالى: والبيت المعمور، وروي عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: اسمه الضراح، بضم الضاد المعجمة وفي آخره حاء مهملة. قال الصغاني: ويقال له: الضريح أيضا. واختلف العلماء في أي موضع هو؟ فقيل: في السماء الدنيا، وهو قول ابن عباس ومجاهد والربيع، وقيل: في السماء السادسة، روي عن علي، رضي الله تعالى عنه، وقيل: في السماء السابعة، قاله مجاهد والضحاك وهو قول البخاري أيضا، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه، ولا تنافي في هذه الأقوال لأنه يحتمل أن الله تعالى رفعه ليلة المعراج إلى السماء السادسة ثم إلى السابعة تعظيما للنبي، صلى الله عليه وسلم، حتى يراه في أماكن، ثم أعاده إلى السماء الدنيا.
قوله: (ثم أتيت بإناء) على صيغة المجهول. قوله: (هي الفطرة أنت عليها)، ويروى: هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك، قال القرطبي: يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة لكونه أول شيء يدخل بطن المولود ويشق أمعاءه، والسر في ميل النبي صلى الله عليه وسلم، إليه دون غيره لكونه كان مألوفا. فإن قلت: وقع في حديث أبي هريرة عند ابن عائذ في حديث المعراج بعد ذكر إبراهيم. قال: ثم انطلقنا فإذا نحن