عمدة القاري - العيني - ج ١٧ - الصفحة ٢٦
الكنية. قوله: (قيل: وقد أرسل إليه؟) أي: هل أرسل إليه ليعرج به إلى السماء؟ الحكمة في قولهم هذا هي أن الله أراد اطلاع نبيه على أنه معروف عند الملأ الأعلى لأنهم قالوا: أرسل إليه، فدل على أنهم كانوا يعرفون أن ذلك سيقع، وإلا لكانوا يقولون: من محمد؟ مثلا. قوله: (مرحبا به) أي: أصاب رحبا وسعة، وكنى بذلك عن الانشراح، واستنبط منه بعضهم جواز رد السلام بغير لفظ السلام، ورد عليه بأن هذا لم يكن ردا للسلام، فإنه كان قبل أن يفتح الباب والسلام ورده بعد ذلك. قوله: (فنعم المجيء جاء) كلمة: نعم، للمدح والمخصوص بالمدح محذوف وفيه تقديم وتأخير تقديره: جاء فنعم المجيء مجيئه في خير وقت إلى خير أمة. قوله: (فلما خلصت) بفتح اللام، أي: وصلت. قوله: (فإذا فيها آدم) كلمة: إذا، للمفاجأة، والضمير في: فيها، يرجع إلى السماء الدنيا. قوله: (بالابن الصالح) ذكر الابن لافتخاره بأبوة النبي صلى الله عليه وسلم، ووصفه بالصالح لأن الصالح صفة تشمل خلال الخير، ولذلك ذكره كل من الأنبياء الذين لاقاهم في السماوات، والصالح هو الذي يقوم بما يلزمه من حقوق الله وحقوق العباد. قوله: (وهما ابنا) خالة أي: يحيى وعيسى، لأن أم يحيى إيشاع بنت فاقوذا، أخت حنة أم مريم، وبيان ذلك أن زكريا، عليه الصلاة والسلام، وعمران بن ماثان كانا متزوجين بأختين، إحداهما عند زكريا وهي إيشاع بنت فاقوذا، والأخرى عند عمران وهي حنة بنت فاقوذا أم مريم، فولدت إيشاع يحيى وولدت حنة مريم، فتكون إيشاع خالة مريم، وتكون حنة خالة يحيى، فيطلق عليهما أنهما ابنا خالة بهذا الاعتبار. ويروى: ابنا الخالة، بالألف واللام، وفي رواية مسلم مثل رواية البخاري في منازل الأنبياء المذكورين فيه، غير أن في رواية الزهري عن أنس عن أبي ذر: أنه لم يثبت أسماءهم، وقال فيه: وإبراهيم في السماء السادسة، ووقع في رواية شريك عن أنس: أن إدريس في الثالثة وهارون في الرابعة، ورواية من ضبط أولى ولا سيما مع اتفاق قتادة وثابت، فقتادة عند البخاري، وثابت عند مسلم، ووافقهما يزيد بن أبي مالك عن أنس إلا أنه خالف في إدريس وهارون. فقال: هارون في الرابعة وإدريس في الخامس ووافقهم أبو سعيد إلا أن في روايته: يوسف في الثانية وعيسى ويحيى في الثالثة، والأول أثبت. فإن قلت: كيف رأى صلى الله عليه وسلم هؤلاء الأنبياء، عليهم السلام، في السماوات مع أن أجسادهم هي في قبورهم في الأرض؟ قلت: أرواحهم تشكلت بصور أجسادهم، ويقال: أحضرت أجسادهم لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم، تلك الليلة تشريفا وتكريما، ويؤيده حديث عبد الرحمن بن هاشم عن أنس، وفيه: وبعث له آدم فمن دونه من الأنبياء فأمهم. قوله: (فإذا يوسف) وزاد مسلم في روايته عن ثابت عن أنس: فإذا هو قد أعطى شطر الحسن، وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي، وأبي هريرة عند ابن عائذ والطبري: فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله قد فضل الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب، فإن قلت: هذا يدل على أن يوسف كان أحسن من جميع الناس. قلت: روى الترمذي من حديث أنس: ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه حسن الصوت، وكان نبيكم أحسنهم صوتا وأحسنهم وجها، فعلى هذا حمل ما في حديث المعراج على غير النبي صلى الله عليه وسلم، وحمله بعضهم على أن المراد: أن يوسف أعطي شطر الحسن الذي أوتيه نبينا صلى الله عليه وسلم، وفيه ما فيه. قوله: (هذا إدريس، فسلم عليه)، فإن قلت: قال بعضهم: إن إدريس في الجنة يدل عليه قوله تعالى: * (ورفعناه مكانا عليا) * (مريم: 57). قيل: المكان العلي هو الجنة. قلت: سمعت بعض مشايخي الثقاة أن إدريس لما أخبر بعروج النبي صلى الله عليه وسلم، استأذن ربه أن يستقبله فأذن له، فاستقبله ولقيه في السماء الرابعة. فإن قلت: كيف قال إدريس: مرحبا بالأخ الصالح؟ والحال أنه أب من آباء النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه جد أعلى لنوح، عليه السلام، لأن نوحا هو ابن لامك ابن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس، عليه السلام؟ قلت: قد قيل عن إدريس أنه إلياس وأنه ليس بجد لنوح، عليه السلام، وقيل: ليس فيه ما يمنع أن يكون إدريس أبا للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما قال له: بالأخ الصالح، تأدبا، وهو أخ وإن كان أبا فالأنبياء أخوة. قوله: (فلما تجاوزت)، أي: عديت موسى، عليه السلام. قوله:. قوله: (بكى) أي: موسى، وكان بكاؤه حزنا على قومه وقصور عددهم وعلى فوات الفضل العظيم منهم، ويقال: لم يكن بكاء موسى حسدا، معاذ الله! فإن الحسد في ذلك العالم منزوع عن آحاد المؤمنين، فكيف بمن اصطفاه الله؟ بل كان آسفا على ما فاته من الأجر الذي يترتب عليه رفع الدرجة بسبب
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»