عمدة القاري - العيني - ج ١٧ - الصفحة ٢٤٧
النهي عن المتعة يوم خيبر غلط، وقال السهيلي: النهي عن المتعة يوم خيبر لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر، وقد روى الشافعي عن مالك بإسناده عن علي، رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهى يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الأهلية، لم يزد على ذلك، وسكت عن قصة المتعة لما علم فيها من الاختلاف. قلت: قد اختلف في وقت النهي عن نكاح المتعة: هل كان زمن خيبر؟ أو في زمن الفتح؟ أو في غزوة أوطاس؟ وهي في عام الفتح، أو في غزوة تبوك؟ أو في حجة الوداع؟ أو في عمرة القضاء؟ ففي رواية مالك ومن تابعه في حديث علي، رضي الله تعالى عنه: أن ذلك زمن خيبر، كما في حديث الباب، وكذلك في حديث ابن عمر، رواه البيهقي من رواية ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد الله أن رجلا سأل عبد الله بن عمر عن المتعة، فقال: حرام. قال: إن فلانا يقول بها: فقال: والله لقد علم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حرمها يوم خيبر، وما كنا مسافحين، وفي حديث سبرة بن معبد الجهني عند مسلم: أنه أذن فيها في فتح مكة، وفيه: فلم أخرج حتى حرمها، وفي حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم أيضا، أنه رخص فيها عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها، وفي حديث سبرة عند أبي داود: أنه نهى عنها في حجة الوداع، وفي بعض طرق حديث علي، رضي الله تعالى عنه: أن ذلك كان في غزوة تبوك، ذكره ابن عبد البر، وكذلك في حديث أبي هريرة: أن ذلك كان في غزوة تبوك، رواه الطحاوي والبيهقي، وكذلك في حديث جابر رواه الحازمي في كتاب (الناسخ والمنسوخ) وفيه يقول جابر بن عبد الله: خرجنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك، حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام، جئن نسوة فذكرنا تمتعنا وهن يجلن في رحالنا، أو قال: يطفن في رحالنا، فجاءنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم فنظر إليهن، فقال: من هؤلاء النسوة؟ فقلنا: يا رسول الله نتمتع منهن. قال: فغضب رسول الله، صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه وتمعر لونه واشتد غضبه، فقام فينا خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم نهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ الرجال والنساء، ولم نعد ولا نعود لها أبدا فيها، فسميت يومئذ: تثنية الوداع، وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الحسن، قال: ما حلت المتعة قط إلا ثلاثا في عمرة القضاء، ما حلت قبلها ولا بعدها.
وقال ابن عبد البر: وهذا الباب فيه اختلاف شديد، وفيه أحاديث كثيرة لم نكتبها. قلت: الجمع بين هذه الأحاديث وترجيح بعضها عند عدم إمكان الجمع على وجوه ذكرها العلماء. فقال المازري: ليس هذا تناقضا لأنه يصح أن ينهى عنها في زمن ثم ينهى عنها في زمن آخر توكيدا، أو ليشتهر النهي ويسمعه من لم يكن سمعه أولا، فسمع بعض الرواة النهي في زمن، وسمعه آخرون في زمن آخر، فنقل كل منهم ما سمعه وأضافه إلى زمن سماعه. وقال القاضي عياض: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أباحها لهم للضرورة بعد التحريم ثم حرمها تحريما مؤبدا، فيكون أنه حرمها يوم خيبر وفي عمرة القضاء، ثم أباحها يوم الفتح للضرورة، ثم حرمها يوم الفتح أيضا تحريما مؤبدا، وقال النووي: الصواب المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالا قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس لاتصالهما، ثم حرمت يومئذ بعد ثلاثة أيام تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة، وذكر بعضهم أنه لا يعرف شيء نسخ مرتين إلا نكاح المتعة. قلت: زاد بعضهم عليه أمر تحويل الصلاة أنه وقع مرتين، وزاد أبو بكر بن العربي ثالثا فقال: نسخ الله القبلة مرتين، ونسخ نكاح المتعة مرتين، وأباح أكل لحوم الحمر الأهلية مرتين، وزاد أبو العباس العوفي رابعا، وهو الوضوء مما مسته النار، على ما قاله ابن شهاب، وروى مثله عن عائشة، وزاد بعضهم: الكلام في الصلاة نسخ مرتين، حكاه القاضي عياض في (الإكمال) وكذلك المخابرة على قول ابن الأعرابي، وفي (التوضيح): هذا أغرب ما وقع في الشريعة، أبيح ثم نهى عنه يوم خيبر، ثم أبيح في عمرة القضاء وأوائل الفتح، ثم نهى عنه، ثم أبيح، ثم نهى عنها إلى يوم القيامة.
4217 حدثنا محأد بن مقاتل أخبرنا عبد الله حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية..
هذا طريق آخر لحديث عبد الله بن عمر المذكور عن قريب أخرجه عن محمد بن مقاتل المروزي عن عبد الله بن المبارك
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»