من قال: لاها الله إذا، فقد أخطأ، إنما هو: لاها الله ذا، وقال الجوهري: ها، للتنبيه، وقد يقسم بها يقال: لاها الله ما فعلت، وقولهم: لاها الله ذا، أن أصله: لا والله هذا، ففرقت بين: ها وذا، وتقديره: لا والله ما فعلت هذا، وقال الكرماني المعنى صحيح على لفظ: إذا، يعني بالتنوين جوابا وجزاء، وتقديره: لا والله إذا صدق لا يكون أو لا يعمد، ويروى برفع: الله، مبتدأ و: ها، للتنبيه، و: لا يعمد، خبره، قوله: (يعمد) بالياء آخر الحروف وبالنون أيضا، وكذلك (يعطيك) بالياء والنون أي: لا يقصد رسول الله، صلى الله عليه وسلم إلى رجل كالأسد يقاتل عن جهة الله ورسوله نصرة في الدين فيأخذ حقه. قوله: (يعطيك) أي: لا يعطيك أيها الرجل المسترضي حق أبي قتادة لا والله كيف وهو أسد الله؟ قوله: (إلى أسد من أسد الله)، الأول بفتحتين مفرد، والثاني، بضم الهمزة وسكون السين جمع أسد، (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق). أي: أبو بكر. قوله: (فأعطاه) أي: فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم أبا قتادة الدرع، ومقتضى الظاهر أن يقول: فأعطاني، فعدل إلى الغيبة التفاتا أو تجريدا، وهو مفعول ثان، والأول محذوف، وإنما أعطاه بلا بينة لأنه، صلى الله عليه وسلم، لعله علم أنه القاتل بطريق من الطرق، ولا يقال: إن أبا قتادة استحق السلب بإقرار من هو في يده، لأن المال كان منسوبا إلى الجيش جميعهم، فلا اعتبار لإقراره. قوله: (فابتعت به مخرفا)، أي: اشتريت بالدرع، أي: بثمنه إن كان باعه، والمخرف، بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء بعدها فاء، وهو البستان، وقيل: الحائط من النخل يخرف فيه الرطب، أي: يجتنى. قوله: (في بني سلمة) بكسر اللام. قوله: (تأثلته)، أي: جمعته، وهو من باب التفعل، فيه معنى التكلف مأخوذ من الأثلة، وهو الأصل ، أي: اتخذته أصلا للمال، ومادته: همزة وثاء مثلثة ولام، يقال: مال مؤثل ومجد مؤثل، أي: مجموع ذو أصل.
ذكر ما يستفاد منه: احتج به من قال: إن السلب من رأس الغنيمة لا من الخمس، لأن إعطاءه صلى الله عليه وسلم أبا قتادة كان قبل القسمة لأنه نقل حين برد القتال، وأجاب أصحابنا ومالك عنه، فقال: هذا حجة لنا لأنه إنما قال ذلك بعد تقضي الحرب، وقد حيزت الغنائم، وهذه حالة قد سبق فيها مقدار حق الغانمين، وهو الأربعة الأخماس على ما أوجبها الله لهم، فينبغي أن يكون من الخمس. وقال القرطبي: هذا الحديث أدل دليل على صحة مذهب مالك وأبي حنيفة، وزعم من خالفنا أن هذا الحديث منسوخ بما قاله يوم حنين، وهو فاسد لوجهين. الأول: أن الجمع بينهما ممكن، فلا نسخ. الثاني: روى أهل السير وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال يوم بدر: من قتل قتيلا فله سلبه، كما قاله يوم حنين، وغايته أن يكون من باب تخصيص العموم. وفيه: أن (لاها الله)، يمين، ولكنهم قالوا: إنه كناية، إن نوى بها اليمين كانت يمينا، وإلا فلا. قلت: ظاهر الحديث يدل على أنه يمين. وفيه: جواز كلام الوزير ورد مسائل الأمير قبل أن يعلم جواب الأمير، كما فعله أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، حين قال: (لاها الله). وفيه: إذا ادعى رجل أنه قتل رجلا بعينه، وادعى سلبه هل يعطى له؟ فقالت طائفة: لا بد من البينة، فإن أصاب أحدا فلا بد أن يحلف معه ويأخذه، واحتجوا بظاهر هذا الحديث، وبه قال الليث والشافعي وجماعة من أهل الحديث، وقال الأوزاعي: لا يحتاج إليها ويعطى بقوله. وفيه: من استدل به على دخول من لا سهم له في عموم قوله: من قتل قتيلا، وعن الشافعي: لا يستحق السلب إلا من استحق السهم، وبه قال مالك، لأنه إذا لم يستحق السهم فلأن لا يستحق السلب بالطريق الأولى، ورد بأن السهم علق على المظنة، والسلب يستحق بالفعل فهو أولى، وهذا هو الأصح. وفيه: أن السلب مستحق للقاتل الذي أثخنه بالقتل دون من وقف عليه. وفيه: أن السلب مستحق للقاتل من كل مقتول حتى لو كان المقتول امرأة، وبه قال أبو ثور وابن المنذر، وقال الجمهور: شرطه أن يكون المقتول من المقاتلة، وقال ابن قدامة: ويجوز أن يسلب القتلى ويتركهم عراة، قاله الأوزاعي، وكرهه الثوري وابن المنذر.
91 ((باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه)) أي: هذا باب في بيان ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وهم ضعفاء النية في الإسلام وشرفاء يتوقع بإسلامهم إسلام نظرائهم. قوله: (وغيرهم)، أي: المؤلفة قلوبهم ممن يظهر له المصلحة في إعطائه. قوله: (ونحوه)، أي: ونحو الخمس، وهو مال الخراج والجزية والفيء.