أثخنه تطييبا لقلب الآخر من حيث إن له مشاركة في القتل. قوله: (سلبه) أي: سلب أبي جهل لمعاذ بن عمرو بن الجموح، وإنما حكم له مع أنهما اشتركا في القتل لأن القتل الشرعي الذي يتعلق به استحقاق السلب هو الإثخان، وهو إنما وجد منه، وقال الإسماعيلي: إن الأنصاريين ضرباه فأثخناه وبلغا به المبلغ الذي يعلم أنه لا يجوز بقاؤه على تلك الحال إلا قدر ما يطفأ، فدل قوله: كلاكما قتله، على أن كلا منهما وصل إلى قطع الحشوة وإبانتها، وبه يعلم أن عمل كل من سيفيهما كعمل الآخر، غير أن أحدهما سبق بالضرب فصار في حكم المثبت لجراحه حتى وقعت به ضربة الثاني فاشتركا في القتل، إلا أن أحدهما قتله وهو ممتنع والآخر قتله وهو مثبت، فلذلك قضى بالسلب للسابق إلى إثخانه. ولما روى الطحاوي هذا الحديث قال فيه: دليل على أن السلب لو كان واجبا للقاتل بقتله إياه لكان وجب سلبه لهما، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم، ينتزعه من أحدهما فيدفعه إلى الآخر إلا يرى أن الإمام لو قال: من قتل قتيلا فله سلبه، وقتل رجلان قتيلا إن سلبه لهما، نصفان، وأنه ليس للإمام أن يحرم أحدهما ويدفعه إلى الآخر، لأن كل واحد منهما له فيه من الحق مثل ما لصاحبه، وهما أولى به من الإمام، فلما كان للنبي صلى الله عليه وسلم، في سلب أبي جهل أن يجعله لأحدهما دون الآخر دل ذلك أنه كان أولى به منهما، لأنه لم يكن قال يومئذ: من قتل قتيلا فله سلبه. وقال أيضا: إن سلب المقتول لا يجب للقاتل بقتله صاحبه إلا أن يجعل الإمام إياه له على ما فيه صلاح المسلمين من التحريض على قتال عدوهم.
قوله: (وكانا) أي: الغلامان المذكوران من الأنصار: معاذ بن عفراء ومعاذ عمرو بن الجموح. أما معاذ بن عفراء، بفتح العين المهملة وسكون الفاء وبالراء وبالمد: وهي أمه عفراء بنت عبيد بن ثعلبة ابن غنم بن مالك بن النجار، وهو معاذ بن الحارث بن رفاعة بن سواد، وهكذا قاله محمد بن إسحاق، وقال ابن هشام: هو معاذ ابن الحارث بن عفراء بن سواد بن مالك بن النجار، وقال موسى بن عقبة: معاذ بن الحارث بن رفاعة بن الحارث، شهد بدرا هو وأخواه عوف ومعوذ بنو عفراء، وهم بنو الحارث بن رفاعة، وقال أبو عمر: ولمعاذ بن عفراء رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، في النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، مات في خلافة علي رضي الله تعالى عنه. وأما معاذ: بن عمرو بن الجموح، فالجموح ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعيد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج السلمي الخزرجي الأنصاري، شهد العقبة وبدرا هو وأبوه عمرو، وقتل عمرو بن الجموح، رضي الله تعالى عنه يوم أحد، وذكر ابن هشام عن زياد عن ابن إسحاق: أنه الذي قطع رجل أبي جهل بن هشام وصرعه، وقال: وضرب ابنه عكرمة بن أبي جهل يد معاذ فطرحها، ثم ضربه معوذ بن عفراء حتى أثبته وتركه وبه رمق، ثم وقف عليه عبد الله بن مسعود واحتز رأسه حين أمره رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يلتمسه في القتلى، وفي (صحيح مسلم) ابن ابني عفراء ضرباه حتى برد، بالدال: أي مات. وفي رواية: (حتى برك)، بالكاف أي: سقط على الأرض، وكذا في البخاري في: باب قتل أبي جهل، وادعى القرطبي أنه وهم، التبس على بعض الرواة معاذ بن الجموح بمعاذ بن عفراء، وقال ابن الجوزي: ابن الجموح ليس من ولد عفراء، ومعاذ بن عفراء ممن باشر قتل أبي جهل، فلعل بعض إخوته حضره أو أعمامه، أو يكون الحديث: ابن عفراء، فغلط الراوي فقال: ابنا عفراء، وقال أبو عمر: أصح من هذا حديث أنس بن مالك: أن ابن عفراء قتله، وقال ابن التين: يحتمل أن يكونا أخوين لأم، أو يكون بينهما رضاع، وقال الداودي: ابنا عفراء: سهل وسهيل، ويقال: معوذ ومعاذ، وروى الحاكم في (إكليله) من حديث الشعبي عن عبد الرحمن ابن عوف حمل: رجل كان مع أبي جهل على ابن عفراء فقتله، فحمل ابن عفراء الآخر على الذي قتل أخاه فقتله، ومر ابن مسعود على أبي جهل، فقال: الحمد لله الذي أعز الإسلام، فقال أبو جهل: تشتمني يا رويعي هذيل؟ فقال: نعم والله، وأقتلك فحذفه أبو جهل بسيفه، وقال: دونك هذا إذا، فأخذه عبد الله فضربه حتى قتله، وقاال: يا رسول الله! قتلت أبا جهل! فقال: الله الذي لا إل 1764; ه إلا هو، فحلف له، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم بيده ثم انطلق معه حتى أراه إياه، فقام عنده، وقال: الحمد لله الذي أعز الإسلام وأهله، ثلاث مرات، والتوفيق بين هذه الروايات: إثبات الاشتراك في قتل أبي جهل، ولكن السلب ما ثبت إلا للذي أثخنه، على ما مر، فافهم.