الرحمان بن عوف عن أبيه عن جده قال بينا أنا واقف في الصف يوم بدر فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت أن أكون بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم ما حاجتك إليه يا ابن أخي قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا فتعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال لي مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس قلت ألا أن هذا صاحبكما الذي سألتماني فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال أيكما قتله قال كل واحد منهما أنا قتلته فقال هل مسحتما سيفيكما قالا لافنظر في السيفين فقال كلاكما قتله سلبه لمعاذ بن عمرو ابن الجموح وكانا معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح.
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يخمس سلب أبي جهل.
ويوسف هو ابن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة، واسمه دينار التيمي القرشي، والماجشون هو يعقوب، وهو بالفارسية، تفسيره: المورد، وهو بكسر الجيم وفتحها وضم الشين المعجمة، وصالح بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن عبد الرحمن، وإبراهيم بن عبد الرحمن سمع أباه عبد الرحمن بن عوف، رضي الله تعالى عنه.
والحديث أخرجه أيضا في المغازي عن علي بن عبد الله وعن يعقوب بن إبراهيم. وأخرجه مسلم في المغازي عن يحيى بن يحيى عن يوسف بن الماجشون.
قوله: (بينا أنا) قد مر غير مرة أن أصله: بين، فأشبعت الفتحة فصار: بينا، ويضاف إلى جملة ويحتاج إلى جواب، فجوابه هو قوله: فإذا أنا بغلامين، وهما: معاذ بن عمرو ومعاذ بن عفراء، ويجيء ذكرهما عن قريب. قوله: (حديثة أسنانهما)، صفة الغلامين، فلذلك جر لفظ: حديثة، و: أسنانهما، بالرفع لأنه فاعل: حديثة. قوله: (بين أضلع)، بالضاد المعجمة والعين المهملة أي: بين أشد وأقوى منهما، أي: من الغلامين المذكورين وهو على وزن أفعل من الضلاعة، وهي: القوة. يقال: اضطلع بحمله: أي: قوي عليه ونهض به، وهذا هكذا رواة الأكثرين، ووقع في رواية الحموي وحده: بين أصلح منهما، بالصاد والحاء المهملتين، ونسب ابن بطال هذه الرواية لمسدد شيخ البخاري، وقال: خالفه إبراهيم بن حمزة عند الطحاوي، وموسى بن إسماعيل عند ابن سنجر، وعفان عند ابن أبي شيبة، فكلهم رووا: أضلع، بالضاد المعجمة والعين المهملة، ورواية ثلاثة حفاظ أولى من رواية واحد خالفهم، وقال القرطبي: الذي في مسلم: أضلع، ووقع في بعض رواياته: أصلح، والأول الصواب. قوله: (هل تعرف أبا جهل؟) هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي فرعون هذه الأمة. قوله: (أخبرت)، بضم الهمزة على صيغة المجهول. قوله: (لا يفارق سوادي سواده)، يعني: لا يفارق شخصي شخصه، وأصله أن الشخص يرى على البعد أسود. قوله: (الأعجل منا) أي: الأقرب أجلا، وهو كلام مستعمل يفهم منه أن يلازمه ولا يتركه إلى وقوع الموت بأحدهما، وصدور هذا الكلام في حال الغضب والانزعاج يدل على صحة العقل الوافر والنظر في العواقب، فإن مقتضى الغضب أن يقول: حتى أقتله، لكن العاقبة مجهولة. قوله: (فلم أنشب)، فلم ألبث، يقال: نشب بعضهم في بعض، أي: دخل وتعلق، ونشب في الشيء إذا وقع فيما لا مخلص له منه، ولم ينشب أن فعل كذا، أي: لم يلبث، وحقيقته لم يتعلق بشيء غيره، ولا بسواه، ومادته: نون وشين معجمة وباء موحدة. قوله: (يجول في الناس)، بالجيم، وفي رواية مسلم: (يزول)، هو بمعناه، أي: يضطرب في المواضع ولا يستقر على حال. قوله: (ألا)، للتحضيض والتنبيه. قوله: (فابتداره)، أي: سبقاه مسرعين. قوله: (فنظر في السيفين) ليستدل بهما على حقيقة كيفية قتلهما، فعلم أن الجموح هو المثخن، وقال المهلب: نظره، صلى الله عليه وسلم، في السيفين ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما، ومقدار عمق دخولهما في جسم المقتول ليحكم بالسيف لمن كان في ذلك أبلغ، ولذلك سألهما أولا: هل مسحتما سيفيكما؟ لأنهما لو مسحاهما لما بين المراد من ذلك. قوله: (فقال: كلاكما قتله)، إنما قال ذلك، وإن كان أحدهما أو الذي