عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ١٥٢
لفظة: (وعامة أهل النار النساء)، وفي النسائي من حديث عمرو بن العاص مرفوعا: لا تدخل النساء إلا كعدد هذا الغراب مع هذه الغربان، وفي (الأخبار) للألكائي من حديث عبد الرحمن بن شبل مرفوعا: (إن الفساق هم أهل النار)، ثم فسرهم بالنساء، قالوا: يا رسول الله ألسن أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا؟ قال: بلى، (ولكن إذا أعطين لم يشكرن وإذا ابتلين لم يصبرن). وقال المهلب: إنما تستحق النساء النار لكفرهن العشير. وقال القرطبي: إنما كان النساء أقل ساكني الجنة لما يغلب عليهن الهوى والميل إلى عاجل زينة الحياة الدنيا، ولنقصان عقولهن، فيضعفن عن عمل الآخرة والتأهب لها لميلهن إلى الدنيا والتزين بها، وأكثرهن معرضات عن الآخرة سريعات الانخداع لراغبيهن من المعرضين عن الدين، عسيرات الاستجابة لمن يدعوهن إلى الآخرة وأعمالها، وأما الفقراء فلما كانوا فاقدي المال الذي يتوسل به إلى المعاصي فازوا بالسبق. فإن قلت: فقد ظهر فضل الفقر فلم استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه؟ قلت: إنما استعاذ من شر فتنته كما استعاذ من شر فتنة الغنى. فإن قلت: ليس في الجنة عزب ولكل رجل زوجان، فكي يكون وصفهن بالقلة في الجنة وبالكثرة في النار؟ قلت: ذكر الحكيم الترمذي وغيره أن الإكثار بكون النساء أكثر أهل النار كان قبل الشفاعة فيهن، فعلى كون زوجين لكل رجل يكن أكثر أهل الجنة.
2423 حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن هذا القصر فقالوا لعمر بن الخطاب فذكرت غيرته فوليت مدبرا فبكى عمر وقال أعليك أغار يا رسول الله..
أخرج البخاري هذا الحديث أيضا في فضل عمر، رضي الله تعالى عنه، عن سعيد بن أبي مريم أيضا، وأخرجه ابن ماجة عن محمد بن الحارث المصري عن الليث، وقال الترمذي عن أبي هريرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت في الجنة قصرا من ذهب، فقلت: لمن هذا؟ قال: لعمر بن الخطاب). قال: ومعنى هذا الحديث: أني دخلت البارحة الجنة، يعني: رأيت في المنام كأني دخلت الجنة، هكذا روي في بعض هذا الحديث ويروى عن ابن عباس أنه قال: (رؤيا الأنبياء حق)، وقد روى أحمد من حديث معاذ، رضي الله تعالى عنه قال: (إن عمر من أهل الجنة)، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ما رأى في يقظته ومنامه سواء، وأنه قال: (بينا أنا في الجنة إذ رأيت فيها جارية، فقلت: لمن هذه؟ فقيل: لعمر بن الخطاب.
قوله: (رأيتني)، أي: رأيت نفسي. قوله: (فإذا امرأة)، كلمة: إذا، للمفاجأة. قوله: (تتوضأ)، قال الكرماني: تتوضأ من الوضاءة، وهي الحسن والنظافة، ويحتمل أن يكون من الوضوء، وقال الخطابي: فإذا امرأة شوهاء، وإنما أسقط الكاتب منه بعض الحروف فصار: يتوضأ لالتباس ذلك في الخط لأنه لا عمل في الجنة لا وضوء ولا غيره، والشوهاء بالشين المعجمة. قال أبو عبيد: هي المرأة الحسناء، والشوهاء واسعة الفم والصغيرة الفم، وقال ابن الأعرابي: الشوهاء القبيحة، وقال الجوهري: فرس شوهاء صفة محمودة، ويقال: يراد بها سعة أشداقها، ورد عليه القرطبي، وقال: الرواية الصحيحة: (تتوضأ)، ووضوء هذه المرأة إنما هو لتزداد حسنا ونورا لا أنها تزيل وسخا ولا قذرا، إذ الجنة منزهة عن القذر، وقال ابن التين: وذكر عن الشيخ أبي الحسن أنه قال: هذا فيه أن الوضوء موصل إلى هذا القصر والنعيم. قوله: (فذكرت غيرته)، بالفتح مصدر قولك: غار الرجل على أهله من فلان، وهي الحمية والأنفة، يقال: رجل غيور، وامرأة غيور، وجاء امرأة غيراء، وصيغة غيور للمبالغة.
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»