هذا طريق آخر لحديث أبي هريرة ورواته على هذا النسق قد مروا غير مرة. وأبو اليمان الحكم بن نافع وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
قوله: (على إثرهم) بكسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة وبفتحها أيضا، أي: الذين يدخلون الجنة عقيب الأولين، والذين يدخلون بعدهم كأشد كوكب إضاءة، وإنما أفرد المضاف إليه ليفيد الاستغراق في هذا النوع من الكوكب، يعني: إذا انقضت كوكبا كوكبا رأيتهم كأشد إضاءة. فإن قلت: ما الفرق بين هذا وبين التركيب السابق؟ قلت: كلاهما مشبهان إلا أن الوجه في الثاني هو الإضاءة فقط، وفي الأول الهيئة والحسن والضوء، كما إذا قلت: إن زيدا ليس بإنسان بل هو في صورة الأسد وشجاعته وجراءته. وهذا التشبيه قريب من الاستعارة المكنية. قوله: (آنيتهم الذهب والفضة)، وفي الحديث السابق قال: آنيتهم الذهب، وهنا زاد: الفضة، وفي الأمشاط ذكر بعكس ذلك فكأنه اكتفى في الموضعين بذكر أحدهما كما ذكرنا هناك، كما في قوله: * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) * (التوبة: 43). وخصص الذهب لأنه لعله أكثر من الفضة كنزا، أو لأن الذهب أشرف، أو أن حال الزمرة الأولى خاصة، فآنيتهم كلها من الذهب لشرفهم وهذا أعم منهم، فتفاوت الأواني بحسب تفاوت أصحابها، وأما الأمشاط فلا تفاوت بينهم فيها، فلم يذكر الفضة هنا، ولما علم ثمة أن في آنية الزمرة الأولى قد تكون الفضة فغيرهم بالطريق الأولى، وحقيقة هذه الأحوال لا يعلمها إلا الله تعالى.
وقال مجاهد الإبكار أول الفجر والعشي ميل الشمس إلى أن أراه تغرب قوله: (أراه) أي: أظنه، وهي جملة معترضة بين قوله: (إلى أن) وقوله: (تغرب) وكان البخاري ظن في آخر العشي يعني مبدأ العشي معلوم وآخره مظنون، و: تغرب، منصوب بأن، وتعليق مجاهد وصله عبد بن حميد والطبري وغيرهما من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: إلى أن تغيب، وقال: الإبكار، مصدر تقول: أبكر فلان في حاجته يبكر إبكارا إذا خرج من بين طلوع الفجر إلى وقت الفجر، وأما العشي فمن بعد الزوال، قال الشاعر:
* فلا الظل من برد الضحى يستطيعه * ولا الفيء من برد العشي يذوق * قال، والفيء يكون عند زوال الشمس. ويتناهى بمغيبها.
57 - (حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال حدثنا فضيل بن سليمان عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي قال ليدخلن من أمتي سبعون ألفا أو سبعمائة ألف لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم وجوههم على صورة القمر ليلة البدر) أبو حازم بالحاء المهملة والزاي اسمه سلمة قوله ' ليدخلن ' اللام فيه مفتوحة للتأكيد وهو أيضا مؤكد بالنون الثقيلة وسبعون ألفا فاعله قوله ' أو سبعمائة ألف ' شك من الراوي كذا قاله ابن التين وفي حديث مسلم عن عمران بن حصين مرفوعا ' يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب ' وفي حديث الترمذي عن أبي أمامة مرفوعا وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفا وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل وقال غريب وفي حديث البزار من حديث أنس بلفظ ' مع كل واحد من السبعين ألفا سبعون ألفا ' وفي كتاب الشفاعة للقاضي إسماعيل من حديث أنس مرفوعا ' أن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف ' فقال أبو بكر زدنا فقال وهكذا فقال عمر رضي الله تعالى عنه حسبك يا أبا بكر فقال دعني يا عمر وما عليك أن يدخلنا الله الجنة كلنا قال عمر إن شاء الله أدخل خلقه الجنة بحثية واحدة فقال صدق عمر وروى الكلاباذي من حديث عبد العزيز اليماني عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت فقدت رسول الله ذات يوم فاتبعته فإذا هو في مشربة يصلي فرأيت على رأسه ثلاثة أنوار فلما قضى صلاته قال من هذه قلت عائشة فقال هل رأيت الأنوار قلت نعم قال ' إن آت أتاني من ربي عز وجل فبشرني أن الله تعالى يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ولا عذاب ثم أتاني في اليوم الثاني آت من ربي فبشرني أن الله تعالى يدخل من أمتي مكان كل واحد من السبعين ألفا سبعين ألفا بغير حساب ولا عذاب ثم أتاني في اليوم الثالث