البخور وريحهم أطيب من المسك؟ قلت: نعيم أهل الجنة من أكل وشرب وكسوة وطيب ليس عن ألم جوع أو ظمأ، أو عري أو نتن، وإنما هي لذات مترادفة ونعم متوالية، والحكمة في ذلك أنهم ينعمون بنوع ما كانوا يتنعمون به في دار الدنيا. وقال النووي: مذهب أهل السنة أن تنعم أهل الجنة على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة، ودل الكتاب والسنة على أن نعيمهم لا انقطاع له. قوله: (ورشحهم المسك) أي: عرقهم كالمسك في طيب الرائحة. قوله: (زوجتان)، أي: من نساء الدنيا، ويؤيد هذا ما رواه أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعا في صفة أدنى أهل الجنة منزلة: وأن له من الحور العين ثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا، وقال الطيبي: الظاهر أن التثنية يعني في قوله: زوجتان، للتكرير لا للتحديد كقوله تعالى: * (فأرجع البصر كرتين) * (الملك:). لأنه قد جاء أن للواحد من أهل الجنة العدد الكثير من الحور العين. قلت: فيه نظر لا يخفى، وقيل: يجوز أن يكون يراد به نحو: لبيك وسعديك، فإن المراد تلبية بعد تلبية، وليس المراد نفس التثنية، أو يكون باعتبار الصنفين نحو: زوجه طويلة والأخرى قصيرة، أو إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة، قيل: استدل أبو هريرة بهذا الإسناد على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال. فإن قلت: يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الكسوف: (رأيتكن أكثر أهل النار) قلت: أجيب بأنه لا يلزم من أكثريتهن في النار ففي أكثريتهن في الجنة. فإن قلت: يشكل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: اطلعت في الجنة فرأيت أقل ساكنيها النساء؟ قلت: قد ذكرنا فيما مضى عن قريب أن هذا كان قبل الشفاعة، ثم قوله: زوجتان، بالتاء وهي لغة كثرت في الحديث، والأشهر خلافها، وبه جاء القرآن وهو الأفصح، مع أن الأصمعي كان ينكر التاء، ولكن رد عليه أبو حاتم السجستاني بشواهد ذكرها. قوله: (يرى مخ سوقهما من وراء اللحم)، المخ، بضم الميم وتشديد الخاء المعجمة: ما في داخل العظم لا يستتر بالعظم واللحم والجلد، وفي رواية الترمذي: ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة، حتى يرى مخها. وفي رواية أحمد من رواية أبي سعيد: ينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة، وسوق، بضم السين جمع: ساق. وكلمة: من، في: من الحسن، يجوز أن تكون للتعليل و: أن، تكون بيانية. قوله: (لا اختلاف بينهم)، أي: بين أهل الجنة (ولا تباغض) لصفاء قلوبهم ونظافتها من الكدورات. قوله: (قلوبهم)، مرفوع على الابتداء وخبره: قلب واحد، بالإضافة في رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي: واحد، مرفوع على أنه صفة لقلب، وأصله على التشبيه حذفت أداته أي: كقلب رجل واحد. قوله: * (يسبحون الله بكرة وعشيا) * (الملك: 4). هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام، وقد فسره جابر في حديثه عند مسلم بقوله: يلهمون التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس، ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه، ولا بد له منه، فجعل تنفسهم تسبيحا وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه وتعالى، وامتلأت بحبه، ومن أحب شيئا أكثر من ذكره. فإن قلت: لا بكرة ولا عشية، إذ لا طلوع ولا غروب. قلت: المراد منه مقدارهما أو دائما يتلذذون به، قاله الكرماني. قلت: إذا تلذذوا به دائما يبقى. قوله: (بكرة وعشيا) بلا فائدة، والظاهر أن تسبيحهم يكون في هذين الوقتين. فإن قلت: كيف يعرفون هذين الوقتين بلا ليل ولا نهار؟ قلت: قد قيل: إن تحت العرش ستارة معلقة تطوى وتنشر على يد ملك، فإذا طواها يعلمون أنهم لو كانوا في الدنيا، كان هذا نهارا، وإذا أسبلها يعلمون أنهم لو كانوا في الدنيا كان ليلا، وانتصاب: (بكرة وعشيا) على الظرفية.
6423 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب قال حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين على إثرهم كأشد كوكب إضاءة قلوبهم على قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض لكل امرىء منهم زوجتان كل واحدة منهما يرى مخ ساقها من وراء لحمها من الحسن يسبحون الله بكرة وعشيا لا يسقمون ولا يمتخطون ولا يبصقون آنيتهم الذهب والفضة وأمشاطهم الذهب وقود مجامرهم الألوة. قال أبو اليمان يعني العود ورشحهم المسك.