والوفد أعم من أن يكون من المسلمين أو من المشركين، والمواضع التي تذكر فيها أن إلى بمعنى اللام إنما معنى: إلى، فيها على أصلها بمعنى الانتهاء، فافهم، وههنا لا يتأتي هذا المعنى، ثم التقدير في: باب جوائز الوفد، أي: هذا باب في بيان جوائز الوفد؟ والجوائز جمع جائزة، وهي العطية، يقال: أجازه يجيزه إذا أعطاه، والوفد: هم القوم يجتمعون ويردون البلاد، واحدهم وافد. وكذلك الذين يقصدون الأمراء لزيارة واسترفاد وانتجاع وغير ذلك، يقال: وفد يفد فهو وافد، وأوفدته فوفد وأوفد على الشيء فهو موفد إذا أشرف، والتقدير في: باب هل يستشفع، أي: هذا باب يذكر فيه هل يستشفع. قوله: (ومعاملتهم)، بالجر عطفا على المضاف إليها لفظ الباب.
3503 حدثنا قبيصة قال حدثنا ابن عيينة عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء فقال اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الخميس فقال ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا أهجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه وأوصى عند موته بثلاث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة.
.
وجه المطابقة قد ذكر الآن، وقبيصة بفتح القاف وكسر الباء الموحدة: ابن عقبة، قال الجياني: لا أحفظ لقبيصة عن ابن عيينة شيئا في (الجامع)، ورواية ابن السكن: قتيبة، بدل: قبيصة. قلت: وقع هكذا: قبيصة حدثنا ابن عيينة عند أكثر الرواة عن الفربري، وكذا في رواية النسفي، ولم يقع في البخاري لقبيصة رواية عن سفيان بن عيينة إلا هذه الرواية، وروايته فيه عن سفيان الثوري كثيرة جدا. وقيل: لعل البخاري سمع هذا الحديث منهما، غير أنه لا يحفظ لقبيصة عن ابن عيينة شيء في (الجامع) ولا ذكره أبو نصر فيمن روى في (الجامع) عن غير الثوري.
والحديث أخرجه البخاري في المغازي عن قتيبة وفي الجزية عن محمد. وأخرجه مسلم في الوصايا عن سعيد بن منصور وقتيبة وأبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد، الكل عن ابن عيينة. وأخرجه أبو داود في الخراج عن سعيد بن منصور ببعضه. وأخرجه النسائي في العلم عن محمد بن منصور عن سفيان مثل الأول.
قوله: (يوم الخميس)، خبر المبتدأ المحذوف، أو بالعكس نحو: يوم الخميس يوم الخميس، نحو: أنا أنا، والغرض منه تفخيم أمره في الشدة والمكروه. قوله: (وما يوم الخميس؟) أي: أي يوم يوم الخميس؟ وهذا أيضا لتعظيم أمره في الذي وقع فيه. قوله: (حتى خضب)، أي: رطب وبلل. قوله: (فتنازعوا)، وقد مر في كتاب العلم في: باب كتابة العلم بعض هذا الحديث عن ابن عباس.. وفيه: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغظ، قال: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع...) الحديث وهذا يوضح معنى قوله: فتنازعوا. قوله: ( ولا ينبغي عند نبي تنازع)، قال الكرماني: لفظ: ولا ينبغي، إما قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم وإما قول ابن عباس، والسياق يحتملهما، والموافق لسائر الروايات الأولى. قلت: لا حاجة إلى هذا الترديد لأنه صلى الله عليه وسلم صرح في الحديث الذي سبق في كتاب العلم بقوله: (ولا ينبغي عندي التنازع)، والعجب منه ذلك مع أنه قال: ومر شرح الحديث في: باب كتابة العلم. قوله: (أهجر)، ويروى: هجر، بدون الهمزة، أطلق بلفظ الماضي، لما رأوا فيه من علامات الهجرة عن دار الفناء، وقال ابن بطال: قالوا: هجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أي: اختلط، وأهجر إذا أفحش. وقال ابن التين: يقال: هجر العليل إذا هذى يهجر هجرا بالفتح، والهجر بالضم الإفحاش. وقال ابن دريد: يقال: هجر الرجل في المنطق إذا تكلم بما لا معنى له، وأهجر إذا أفحش. قلت: هذه العبارات كلها فيها ترك الأدب والذكر بما لا يليق بحق النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد أفحش من أتى بهذه العبارة، فانظر إلى ما قال النووي: أهجر؟ بهمزة الاستفهام الإنكاري، أي: أنكروا على من قال: لا تكتبوا، أي: لا تجعلوه كأمر من هذي في كلامه، وإن صح بدون الهمزة فهو أنه لما أصابته الحيرة والدهشة لعظم ما شاهد من هذه الحالة الدالة