الشق الآخر صرف وجهه عنه). وقال في آخره: (رأيت غلاما حدثا وجارية حدثة، فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان). قوله: (إن فريضة الله أدركت أبي شيخا كبيرا)، وفي رواية عبد العزيز وشعيب: (إن فريضة الله على عباده في الحج). وفي رواية النسائي من طريق يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن يشار: (إن أبي أدركه الحج) واتفقت الروايات كلها عن ابن شهاب على أن السائلة كانت امرأة، وأنها سألت عن أبيها وخالفه يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان، فاتفق الرواة عند علي أن السائل رجل.
واعلم أنهم اختلفوا على سليمان بن يسار في إسناد هذا الحديث ومتنه، أما إسناده فقال هشيم عن ابن شهاب عن سليمان عن عبد الله بن عباس، وقال محمد بن سيرين عن ابن شهاب عن سليمان عن الفضل، أخرجهما النسائي وقال ابن علية: عنه عن سليمان حدثني أحد ابني العباس إما الفضل وإما عبد الله، أخرجه أحمد. وأما المتن فقال هشيم: إن رجلا سأل فقال: إن أبي مات وقال ابن سيرين: فجاء رجل فقال: إن أمي عجوز كبيرة، وقال ابن علية: فجاء رجل فقال: إن أبي وأمي، وخالف الجميع معمر عن يحيى بن أبي إسحاق، فقال في روايته إن المرأة سألت عن أمها. قوله: (لا يثبت على الراحلة) ووقع في رواية عبد العزيز وشعيب: (لا يستمسك على الرحل)، وفي رواية يحيى بن أبي إسحاق زيادة وهي: (إن شددته خشيت أن يموت)، وكذا في مرسل الحسن. وفي حديث أبي هريرة أخرجه ابن خزيمة بلفظ: (وإن شددته بالحبل على الراحلة خشيت أن أقتله). قوله: (أفأحج عنه؟) أي: أيجوز أن أنوب عنه؟ وإنما قدرنا هكذا لأن ما بعد الفاء الداخلة عليها الهمزة معطوفة على مقدر، وفي رواية عبد العزيز وشعيب: (فهل يقضى عنه؟) وفي حديث علي: (هل يجزئ عنه؟) قوله: (قال: نعم)، وفي حديث أبي هريرة: (فقال: أحجج عن أبيك).
ذكر ما يستفاد منه فيه: جواز الحج عن الغير وقد ذكرناه. وفيه: جواز الارتداف. وفيه: جواز كلام المرأة وسماع صوتها للأجانب عند الضرورة كالاستفتاء عن العلم والترافع في الحكم والمعاملة. وفيه: منع النظر إلى الأجنبيات وغض البصر. وفيه: بيان ما ركب في الآدمي من الشهوة وما جبلت طباعه عليه من النظر إلى الصورة الحسنة. وفيه: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه: ظهور منزلة الفضل بن عباس عند النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه: إزالة المنكر باليد.
52 ((باب حجة الصبيان)) أي: هذا باب في ذكر حجة الصبيان في الأحاديث التي يذكرها في هذا الباب، وقال بعضهم: قوله: باب حجة الصبيان، أي مشروعيته. قلت: كيف يقول هكذا على الإطلاق، وليس في أحاديث الباب شيء يدل صريحا على مشروعية حجتهم ولا عدم مشروعيته؟ فلذلك أطلق البخاري كلامه في الترجمة وما حكم بشيء. فإن قلت: روى مسلم من حديث كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبا بالروحاء، فقال: من القوم قالوا المسلمون فقالوا من أنت قال رسول الله فرفعت إليه امرأة صبيا فقالت لهذا حج قال نعم، ولك أجر). قلت: الظاهر أنه ليس على شرط. فلذلك لم يخرجه أو ما وقف عليه، وقد احتج بظاهر هذا الحديث داود وأصحابه من الظاهرية وطائفة من أهل الحديث على أن الصبي إذا حج قبل بلوغه كفى ذلك عن حجة الإسلام، وليس عليه أن يحج حجة أخرى عن حجة الإسلام، وقال الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح ومجاهد والنخعي والثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد وآخرون من علماء الأمصار: لا يجزئ الصبي ما حجه عن حجة الإسلام، وعليه بعد بلوغه حجة أخرى.
وفي (أحكام ابن بزيزة): أما الصبي فقد اختلف العلماء هل ينعقد حجه أم لا؟ والقائلون بأنه منعقدا اختلفوا هل يجزئه عن حجة الفريضة إذا بلغ وعقل أم لا؟ فذهب مالك والشافعي وداود إلى أن حجه ينعقد، وقال أبو حنيفة: لا ينعقد، واختلف هؤلاء القائلون بانعقاده، فقال داود وغيره: يجزئه عن حجة الفريضة بعد البلوغ، وقال مالك والشافعي: لا يجزيه. وقال الطحاوي: وكان من الحجة على هؤلاء أنه ليس في الحديث إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن للصبي حجا، وليس فيه ما يدل على أنه إذا حج يجزئ عن حجة الإسلام. فإن قلت: ما الدليل على ذلك؟ قلت: قوله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يكبر). فإذا ثبت أن القلم مرفوع عنه ثبت أن الحج ليس بمكتوب عليه، كما أنه إذا صلى فرضا ثم بلغ بعد ذلك فإنه لا يعيدها، ثم إن عند أبي حنيفة