عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ٢٦٥
والصدقة في عجزه؟ قلت: لا تكرار، إذ الأول: هو النداء بأن الإنفاق، وإن كان بالقليل من جملة الخيرات العظيمة، وذلك حاصل من كل أبواب الجنة، والثاني: استدعاء الدخول إلى الجنة، وإنما هو من الباب الخاص به، ففي الحديث فضيلة عظيمة للإنفاق، ولهذا افتتح به واختتم به. قوله: (بأبي أنت وأمي) أي: أنت مفدى بأبي وأمي، فتكون الباء متعلقة به، وقيل: تقديره: فديتك بأبي وأمي. قوله: (من ضرورة) أي: من ضرر، أي ليس على المدعو من كل الأبواب مضرة، أي: قد سعد من دعي من أبوابها جميعا، ويقال معناه: ما على من دعي من تلك الأبواب من لم يكن إلا من أهل خصلة واحدة ودعي من بابها لا ضرر عليه، لأن الغاية المطلوبة دخول الجنة من أيها أراد، لاستحالة الدخول من الكل معا. وقال الكرماني: أقول: يحتمل أن تكون الجنة كالقلعة لها أسوار محيط بعضها ببعض، وعلى كل سور باب، فمنهم من يدعى من الباب الأول فقط، ومنهم من يتجاوز عنه إلى الباب الداخل وهلم جرا. قلت: هذا الذي ذكره لا يستبعده العقل، ولكن معرفة كيفية الجنة وكيفية أبوابها وغير ذلك موقوفة على السماع من الشارع. قوله: (وأرجو أن تكون منهم)، خطاب لأبي بكر، رضي الله تعالى عنه، والرجاء من النبي صلى الله عليه وسلم واجب، نبه عليه ابن التين، فدل هذا على فضيلة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، وعلى أنه من أهل هذه الأعمال كلها.
وفيه: أن أعمال البر لا تفتح في الأغلب للإنسان الواحد في جميعها، وإن من فتح له في شيء منها حرم غيرها في الأغلب، وأنه قد يفتح في جميعها للقليل من الناس، وإن الصديق، رضي الله تعالى عنه، منهم.
5 ((باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان ومن رأى كله واسعا)) أي: هذا باب يقال فيه: هل يقال؟ أي: هل يجوز أن يقال: رمضان من غير شهر معه؟ أو يقال: شهر رمضان؟ قوله: (هل يقال)؟ على صيغة المجهول، رواية الأكثرين، وفي رواية السرخسي والمستملي: باب هل يقول، أي: الإنسان أو القائل. قوله: (ومن رأى كله واسعا) من جملة الترجمة أي: من رأى القول بمجرد رمضان أو بقيده بشهر واسعا أي: جائزا لا حرج على قائله، وفي رواية الكشميهني: ومن رآه بهاء الضمير، وإنما أطلق الترجمة ولم يفصح بالحكم للاختلاف فيه على عادته في ذلك، فالذي اختاره المحققون والبخاري منهم لا يكره أن يقال: جاء رمضان، ولا صمنا رمضان، وكان عطاء ومجاهد يكرهان أن يقولا: رمضان، وإنما كانا يقولان كما قال الله تعالى: شهر رمضان، لأنا لا ندري لعل رمضان اسم من أسماء الله تعالى، وحكاه البيهقي عن الحسن أيضا، قال: والطريق إليه وإلى مجاهد ضعيفة، وهو قول أصحاب مالك. وقال النحاس: وهذا قول ضعيف لأنه صلى الله عليه وسلم نطق به، فذكر ما ذكره البخاري. وفي (التوضيح): وهناك قول ثالث، وهو قول أكثر أصحابنا إن كان هناك قرينة تصرفه إلى الشهر فلا كراهة وإلا فيكره.
قالوا: ويقال: قمنا رمضان، ورمضان أفضل الأشهر، وإنما يكره أن يقال: قد جاء رمضان، ودخل رمضان، وحضر، ونحو ذلك. فإن قلت: في (كامل) ابن عدي عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقولوا رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا: شهر رمضان؟) قلت: قال أبو حاتم: هذا خطأ، وإنما هو قول أبي هريرة وفيه أبو معشر نجيح المدني، وضعفه ابن عدي الذي خرجه، وقال بعضهم: أشار البخاري بهذه الترجمة إلى دفع حديث ضعيف، ثم ذكر هذا الذي خرجه ابن عدي. قلت: هذا القائل أخذ هذا الذي قاله من كلام صاحب (التلويح) فإنه قال: وإنما كان البخاري أراد بالتبويب دفع ما رواه أبو معشر نجيح في (كامل) ابن عدي، وهو الذي ذكرناه، وهل هذا إلا أمر عجيب من هذين المذكورين؟ فإن لفظ الترجمة: هل يقال رمضان أو شهر رمضان؟ من أين يدل على هذا؟ فمن أي قبيل هذه الدلالة؟ وأيضا: من قال: إن البخاري اطلع على هذا الحديث أو وقف عليه حتى يرده بهذه الترجمة؟ قوله: (رمضان) قال الزمخشري: (رمضان مصدر رمض إذا احترق من الرمضاء، فأضيف إليه الشهر وجعل علما، ومنع الصرف للتعريف والألف والنون، وسموه بذلك لارتماضهم فيه من حر الجوع ومقاساة شدته، كما سموه: ناتقا لأنه كان ينتقهم أي يزعجهم إضجارا بشدته عليهم، وقيل: لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر. قلت: كانوا يقولون للمحرم المؤتمر، ولصفر ناجر، ولربيع الأول خوان، ولربيع الآخر وبضان، ولجمادى الأولى ربى، ولجمادى الآخر حنين، ولرجب الأصم، ولشعبان عاذل
(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»