أنه قال: (اعتمر عمرة في ذي القعدة وعمرة في شوال) وروى البيهقي أيضا من رواية عمر بن ذر عن مجاهد عن أبي هريرة، قال: (اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر كلها في ذي القعدة). وقال شيخنا: كأن عائشة تريد والله أعلم بعمرة شوال عمرة الحديبية، والصحيح إنما كانت في ذي القعدة، كما في حديث أنس في الصحيح، وإليه ذهب الزهري ونافع مولى ابن عمر وقتادة وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وغيرهم، واختلف فيه على عروة بن الزبير، فروى هشام ابنه عنه: أنها كانت في شوال، وروى ابن لهيعة عن أبي الأسود عنه: أنها كانت في ذي القعدة. قال البيهقي: هو الصحيح، وقد عد الناس هذه في عمرة صلى الله عليه وسلم وإن كان صد عن البيت فنحر الهدي وحلق.
وأما العمرة الثانية، فهي أيضا في ذي القعدة سنة سبع وهو متفق عليه فيما علمت، قاله نافع مولى ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، وسليمان التيمي وعروة بن الزبير وموسى بن عقبة وابن شهاب ومحمد بن إسحاق وغيرهم، لكن ذكر ابن حبان في (صحيحه): أنها كانت في رمضان، وقال المحب الطبري في (كتاب العري) ولم ينقل ذلك أحد غيره، والمشهور أنها في ذي القعدة. وعند الدارقطني: (خرج معتمرا في رمضان). وقال المحب: فلعلها التي فعلها في شوال وكان ابتداؤها في رمضان. وروى أبو بكر بن أبي داود في (فوائده) من حديث ابن عمر: (أن النبي، صلى الله عليه وسلم، اعتمر قبل حجته عمرتين أو ثلاثا، إحدى عمره في رمضان)، ولعله أراد ابتداء إحرامه بها، وتسمى عمرة القضاء، وعمرة القضية، وعمرة القصاص. وسميت عمرة القضاء، لأنه، صلى الله عليه وسلم، قاضي أهل مكة عام الحديبية على أن يعتمر العام المقبل، لأن المسلمين قضوها عن عمرة الحديبية. وعن ابن عمر: لم تكن هذه العمرة قضاء، ولكن شرطا على المسلمين أن يعتمروا القابل في الشهر الذي صدهم المشركون فيه. وسميت: عمرة القصاص، لأن الله، عز وجل، أنزل في تلك العمرة * (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص) * (البقرة: 491). فاعتمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الشهر الحرام الذي صد فيه، وقيل: يحتمل أن يكون من القصاص الذي هو أخذ الحق، فكأنهم اقتصوا، أي: اخذوا في السنة الثانية ما منعهم المشركون من الحق في كمال عمرهم.
وأما العمرة الثالثة فهي في ذي القعدة أيضا سنة ثمان، وهي: عمرة الجعرانة، قال ذلك عروة بن الزبير وموسى بن عقبة وغيرهما، وهو كذلك. وفي (الصحيح) من حديث أنس: أنها كانت في ذي القعدة، وقال ابن حبان في (صحيحه): إن عمرة الجعرانة كانت في شوال. قال المحب الطبري: ولم ينقل ذلك أحد غيره فيما علمت، والمشهور أنها في ذي القعدة. وقال المحب الطبري: إن الثلاث كانت في ذي القعدة.
وأما العمرة الرابعة فهي التي مع حجته، صلى الله عليه وسلم، وكانت أفعالها في الحجة بلا خلاف، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قدم مكة في الرابع من ذي الحجة. وأما إحرامها فالصحيح أنه كان في ذي القعدة، لأنهم خرجوا لخمس بقين من ذي القعدة، كما في (الصحيح). وكان إحرامه فيها في وادي العقيق كما في (الصحيح)، وذلك قبل أن يدخل ذو الحجة. وقيل: كان إحرامه لها في ذي الحجة، لأن في بعض طرق الحديث: (خرجنا موافين لهلال ذي الحجة)، والصحيح الأول، وأسقط بعضهم عمرته هذه فجعلها ثلاث عمر، وهو الذي صححه القاضي عياض.
ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر عام حجة الوداع عمرة مفردة لا قبل الحج ولا بعده، أما قبله فلأنه لم يحل حتى فرغ من الحج، وأما بعده فلم ينقل أنه اعتمر، فلم يبق إلا أنه قرن الحج بعمرة، وهذا هو الصواب جمعا بين الأحاديث، إلا أنه أحرم أولا بالحج، ثم أدخل عليه العمرة بالعقيق لما جاءه جبريل، عليه السلام. وقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة، ولهذا اختلفت الصحابة في عدد عمره، فمن قال: أربعا فهذا وجهه، ومن قال: ثلاثا أسقط الأخيرة لدخول أفعالها في الحج، ومن قال: اعتمر عمرتين أسقط العمرة الأولى، وهي: عمرة الحديبية، لكونهم صدوا عنها، وأسقط الأخيرة لدخولها في أعمال الحج، وأثبت عمرة القضية وعمرة الجعرانة.
7771 حدثنا أبو عاصم قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عطاء عن عروة بن الزبير قال سألت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب.
(انظر الحديث 6771 وطرفه).
هذا من تعليق الحديث السابق لإنكار عائشة على ابن عمر في كون عمرته في رجب، وهنا أيضا أنكرت اعتماره صلى الله عليه وسلم