عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ١٠٨
ما الإسلام؟ فقال) الإسلام أن تشهد أن لا إلاه إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج وتعتمر). وقال الدارقطني: هذا إسناد ثابت أخرجه مسلم بهذا الإسناد، وقال ابن القطان: زيادة صحيحة، وأخرجه أبو عوانة في (صحيحه) والجوزقي والحاكم أيضا قلت: المراد بإخراج مسلم له أنه أخرج الإسناد هكذا، ولم يسق لفظ هذه الرواية، وإنما أحال به على الطرق المتقدمة إلى يحيى بن يعمر بقوله كنحو حديثهم، وذكر أبو عمرو عن الشافعي وأحمد في رواية: أن العمرة ليست بواجبة وروى ذلك عن ابن مسعود، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك وعنه أنها سنة. قلت: قال أصحابنا: العمرة سنة وينبغي أن يأتي بها عقيب الفراغ من أفعال الحج، واحتجوا بما رواه الترمذي من حديث جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي قال: لا، وإن تعتمروا هو أفضل). وقال: هذا حديث حسن صحيح. فإن قلت: قال المنذري: وفي تصحيحه له نظر، فإن في سنده الحجاج بن أرطاة ولم يحتج به الشيخان في (صحيحيهما). وقال ابن حبان: تركه ابن المبارك ويحيى القطان وابن معين وأحمد، وقال الدارقطني: لا يحتج به، وإنما روى هذا الحديث موقوفا على جابر، وقال البيهقي: ورفعه ضعيف. قلت: قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في كتاب (الإمام): وهذا الحكم بالتصحيح في رواية الكرخي لكتاب الترمذي، وفي رواية غيره: حسن لا غير، وقال شيخنا زين الدين، رحمه الله: لعل الترمذي إنما حكم عليه بالصحة لمجيئه من وجه آخر، فقد رواه يحيى بن أيوب عن عبد الله ابن عمر عن أبي الزبير، (عن جابر، قلت: يا رسول الله! العمرة فريضة كالحج؟ قال: لا، وإن تعتمر خير لك). ذكره صاحب (الإمام)، وقال: اعترض عليه بضعف عبد الله بن عمر العمري. قلت: رواه الدارقطني من رواية يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن المغيرة عن أبي الزبير (عن جابر، قال: قلت: يا رسول الله! العمرة واجبة فريضتها كفريضة الحج؟ قال: لا، وإن تعتمر خير لك). ورواه البيهقي من رواية يحيى بن أيوب عن عبيد الله غير منسوب عن أبي الزبير، ثم قال: وهو عبيد الله بن المغيرة، تفرد به عن أبي الزبير، ووهم الباغندي في قوله: عبيد الله بن عمر، وروى ابن ماجة من حديث طلحة بن عبيد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الحج جهاد والعمرة تطوع)، وروى عبد الباقي بن قانع من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وكذا روى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. ثم إعلم أن الشافعي ذهب إلى استحباب تكرار العمرة في السنة الواحدة مرارا، وقال مالك وأصحابه: يكره أن يعتمر في السنة الواحدة أكثر من عمرة واحدة، وقال ابن قدامة: قال آخرون: لا يعتمر في شهر أكثر من عمرة واحدة، وعند أبي حنيفة: تكره العمرة في خمسة أيام: يوم عرفة، والنحر، وأيام التشريق. وقال أبو يوسف: تكره في أربعة أيام عرفة، والتشريق.
3771 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمان عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
قد ذكرنا أن الترجمة مشتملة على وجوب العمرة وفضلها، وذكر ما يدل على وجوبها، وهما الأثران المذكوران عن ابن عمر وابن عباس، رضي الله تعالى عنهم، ثم ذكر هنا عن أبي هريرة ما يدل على فضلها، وقد بوب الترمذي بابا في فضل العمرة، فقال: باب ما جاء في فضل العمرة، ثم روى حديث أبي هريرة المذكور عن أبي كريب عن وكيع عن سفيان عن سمي إلى آخره، نحو رواية البخاري، وأخرجه مسلم أيضا كرواية الترمذي، وأخرجه أيضا النسائي من رواية سفيان بن عيينة عن سمي، ومن رواية سهيل بن أبي صالح عن سمي، وأخرجه مسلم أيضا من رواية عبيد الله بن عمر عن سمي، وهو مشهور من حديث سمي، وهو بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء، وقد مر في الصلاة.
وأبو صالح السمان هو ذكوان الزيات، وقد تكرر ذكره. قوله: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)، أي: من الذنوب دون الكبائر كما في قوله: (الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما). وقال ابن التين: يحتمل أن تكون إلى بمعنى: مع، كما في قوله تعالى: * (إلى أموالكم) * (النساء: 2). و * (من أنصاري إلى الله) * (آل عمران: 25، الصف: 41). فإن قلت: الذي يكفر ما بين العمرتين: العمرة الأولى أو العمرة الثانية؟ قلت: ظاهر الحديث أن العمرة الأولى هي المكفرة، لأنها هي التي
(١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»