عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ١٠٧
عروبة في (المناسك) عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: الحج والعمرة فريضتان. وقال بعضهم: وجزم المصنف بوجوب العمرة، وهو متابع في ذلك للمشهور عن الشافعي وأحمد وغيرهما من أهل الأثر. قلت: قال الترمذي: قال الشافعي: العمرة سنة لا نعلم أحدا رخص في تركها، ليس فيها شيء ثابت بأنها تطوع. وقال شيخنا زين الدين: ما حكاه الترمذي عن الشافعي لا يريد به أنها ليست بواجبة، بدليل قوله: لا نعلم أحدا رخص في تركها، لأن السنة التي يريد بها خلاف الواجب يرخص في تركها قطعا، والسنة تطلق ويراد بها الطريقة، وغير سنة الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى. قلت: كأن شيخنا حمل قول الشافعي: العمرة سنة، على معنى أنها سنة لا يجوز تركها بدليل قوله: (ليس فيها شيء ثابت بأنها تطوع، وذلك لأنه إذا لم يثبت أنها تطوع يكون معنى قوله: إنها سنة أي: سنة واجبة لا يرخض في تركها، والذي أشار إليه الشافعي أنه ليس بثابت هو مرسل أبي صالح الحنفي، فقد روى الربيع عن الشافعي أن سعيد بن سالم القداح قد احتج بأن سفيان الثوري أخبره عن يعقوب بن إسحاق عن أبي صالح الحنفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الحج جهاد والعمرة تطوع)، قلت: هذا منقطع، فصح قوله أنه ليس بثابت.
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنها لقرينتها في كتاب الله * (وأتموا الحج والعمرة لله) * (البقرة: 691).
أي: قال عبد الله بن عباس: (إن العمرة لقرينة الحجة في كتاب الله تعالى) يعني: مذكورتان معا في قوله تعالى: * (وأتموا الحج والعمرة) * (البقرة: 691). وقد أمر الله تعالى بإتمامهما، والأمر للوجوب، ووصل هذا التعليق الشافعي في مسنده) عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار: سمعت طاووسا يقول: سمعت ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، يقول: والله إنها لقرينتها في كتاب الله: * (وأتموا الحج والعمرة لله) * (البقرة: 691). وقال المانعون للواجوب: ظاهر السياق إكمال أفعالها بعد الشروع فيهما، ولهذا قال بعده: * (فأن أحصرتم) * (البقرة: 691). أي: صددتم عن الوصول إلى البيت، ومنعتم من أتمامهما، ولهذا اتفق العلماء على أن الشروع في الحج والعمرة ملزم، سواء قيل بوجوب العمرة أو باستحبابها، وقال شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن أبي سلمة عن علي، رضي الله تعالى عنه، أنه قال في هذه الآية: * (وأتموا الحج والعمرة لله) * (البقرة: 691). قال: أن تحرم من دويرة أهلك، وكذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير وطاووس عن سفيان الثوري، أنه قال: تمامهما أن تحرم من أهلك لا تريد إلا الحج والعمرة، وتهل من الميقات، ليس أن تخرج لتجارة ولا لحاجة حتى إذا كنت قريبا من مكة. قلت: لو احتججت أو اعتمرت، وذلك يجزئ، ولكن التمام أن تخرج له ولا تخرج لغيره. وقرأ الشعبي: * (وأتموا الحج والعمرة لله) * (البقرة: 691). برفع العمرة، قال: وليست بواجبة.
وممن قال بفرضية العمرة من الصحابة: عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وجابر، رضي الله تعالى عنه، ومن التابعين وغيرهم: عطاء وطاووس ومجاهد وعلي بن الحسين وسعيد بن جبير والحسن وابن سيرين وعبد الله بن شداد وابن الحبيب وابن الجهم، واحتج هؤلاء أيضا بأحاديث أخرى. منها: ما رواه الدارقطني من رواية إسماعيل بن مسلم عن محمد بن سيرين عن زيد بن ثابت، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت). قلت: الصحيح أنه موقوف، رواه هشام بن حسان عن ابن سيرين عن زيد. ومنها: ما رواه ابن ماجة من رواية حبيب بن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة (عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: قلت: يا رسول الله! على النساء جهاد؟ قال: نعم! عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة). قلت: أخرجه البخاري ولم يذكر فيه العمرة. ومنها: ما رواه ابن عدي في (الكامل) من رواية قتيبة عن ابن لهيعة عن عطاء (عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحج والعمرة فريضتان واجبتان). قلت: قال ابن عدي: هو عن ابن لهيعة عن عطاء غير محفوظ، وأخرجه البيهقي، وقال ابن لهيعة: غير محتج به. ومنها: ما رواه الترمذي من حديث عمرو بن أوس (عن أبي رزين العقيلي: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة، ولا الظعن، قال: حج عن أبيك واعتمر). وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأبو رزين اسمه: لقيط بن عامر قلت: أمره بأن يعتمر عن غيره. ومنها: ما رواه الدارقطني من رواية يونس بن محمد عن معتمر بن سليمان عن أبيه عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر (عن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، قال: بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس، إذ جاء رجل ليس عليه سحناء سفر...) فذكر الحديث، وفيه: (فقال: يا محمد
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»