عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٩٢
ومحمد بن الحسن فإنهم قالوا: لا بأس أن يكون العامل هاشميا ويأخذ عمالته منها، لأن ذلك على عمله، ولقائل أن يقول: هذا القياس ليس بصحيح: لأن الغني إذا كان عاملا يكون متفرغا لذلك صارفا نفسه وحابسها لأجل ذلك فيستحق الجعالة في مقابلة هذا الفعل، وذلك في الحقيقة يكون لحاجته إلى ذلك، فيصير كابن السبيل تباح له الصدقة، وإن كان غنيا، بخلاف الهاشمي فإنه إنما تحرم عليه الصدقة لكونها أوساخ الناس ولأجل لحوق الذلة والهوان لشرف نسبه، فهذا المعنى موجود دائما سواء كان الذي يأخذه من الصدقة على وجه الاعتمال والاجتعال أو غير ذلك. وفيه: دليل على تحويل الصدقة إلى هدية لأنه لما كان يجوز التصرف للمتصدق عليه فيها بالبيع والهبة لصحة ملكه لها، حكم لها بحكم الهبة، وخروجها عن معنى الصدقة فصارت حلالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كان يأكل الهدية دون الصدقة لما في الهدية من التألف والدعاء إلى المحبة، وقال: تهادوا تحابوا)، وجائز أن يثبت عليها وأفضل منها فيرفع الذلة والمنة بخلاف الصدقة. وفيه: بيان أن الأشياء المحرمة لعلل معلومة إذا ارتفعت عنها تلك العلل حلت وأن التحريم في الأشياء ليس لعينها.
5941 حدثنا يحيى بن موسى ا قال حدثنا وكيع قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلحم تصدق به على بريرة فقال هو عليها صدقة وهو لنا هدية.
(الحديث 5941 طرفه في: 7752).
مطابقته للترجمة من حيث أن الصدقة التي تصدق بها على بريرة صارت هدية لملكها إياها.
ورجاله قد ذكروا ويحيى بن موسى بن عبد ربه أبو زكريا السختياني البلخي يقال له: خت، قد مر في آخر كتاب الصلاة، وهو من أفراد البخاري.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الزهد عن يحيى بن موسى عن وكيع، وفي الهبة عن بندار عن غندر. وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب كلاهما عن وكيع وعن أبي موسى وبندار كلا من غندر وعن عبيد الله بن معاذ عن أبيه، وأخرجه أبو داود فيه عن عمرو بن مرزوق. وأخرجه النسائي في العمري عن إسحاق بن إبراهيم عن وكيع.
قوله: (هو عليها صدقة)، قد لفظ: (عليها) ليفيد الحصر أي: عليها صدقة لا علينا، وحاصله أنها إذا قبضها المتصدق زال عنها وصف الصدقة وحكمها، فيجوز للغني شراها للفقير، وللهاشمي أكله منها.
وقال أبو داود أنبأنا شعبة عن قتادة سمع أنسا رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو داود هو سليمان الطيالسي الحافظ، كتب عنه بأصفهان أربعون ألف حديث، ولم يكن معه كتاب، مات سنة أربع ومائتين بالبصرة. وهذا التعليق أسنده أبو نعيم في (المستخرج) فقال: حدثنا عبد الله حدثنا يونس حدثنا أبو داود يعني الطيالسي قال: أنبأنا شعبة، فذكره وفائدته تصريح قتادة بسماعه إياه من أنس، ولما كان قتادة مدلسا قوي الإسناد الأول بهذا حيث قال: سمع أنسا، إذ فيه التصريح بسماعه. قوله: (أنبأنا) أي: أخبرنا. قال الخطيب البغدادي: درجة أنبأنا أحط من درجة أخبرنا، وهو قليل في الاستعمال، وثلاثية من النبأ وهو الخبر.
36 ((باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا)) أي: هذا باب في بيان أخذ الصدقة، أي: الزكاة، من الأغنياء، فإذا أخذت ما يكون حكمها أشار إليه بقوله: (وترد في الفقراء) وترد، بنصب الدال بتقدير: أن، ليكون في حكم المصدر، ويكون التقدير: وأن ترد، أي: والرد في الفقراء حاصله: باب في أخذ الصدقة، وفي ردها في الفقراء حيث كان الفقراء. قوله: (حيث كانوا)، يشعر بأنه اختار جواز نقل الزكاة من بلد إلى بلد، وفيه خلاف، فعن الليث بن سعد وأبي حنيفة وأصحابه جوازه، ونقله ابن المنذر عن الشافعي واختاره، والأصح عند الشافعية والمالكية ترك النقل، فلو نقل أجزأ عند المالكية على الأصح، ولم يجزئ عند الشافعية على الأصح إلا إذا فقد المستحقون لها. وقال الكرماني: الظاهر أن غرض البخاري بيان الامتناع، أي: ترد على فقراء أولئك الأغنياء، أي: في موضع
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»