الواو، أما عدم جواز إظهار الفعل فللقرينة الدالة عليه ولطول الكلام، وقيل: لأن مثل هذا يقال عند تشديد الخوف، وأما عدم جواز حذف الواو لأنها حرف عطف، فيختل الكلام بحذفه، والكرائم جمع: كريمة وهي النفيسة. قوله: (واتق دعوة المظلوم) أي: تجنب الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم، وقيل: هو تذييل لاشتماله على الظلم الخاص وهو أخذ الكرائم وعلى غيره. قوله: (فإنه) أي: فإن الشان، وهو تعليل للاتقاء، وتمثيل للدعوة كمن يقصد إلى السلطان متظلما فيم يحجب عنه.
ذكر ما يستفاد منه فيه: عظة الإمام وتخويفه من الظلم قال تعالى: * (ألا لعنة الله على الظالمين) * (هود: 81). ولعنة الله إبعاده من رحمته، والظلم محرم في كل شريعة، وقد جاء: (إن دعوة المظلوم لا ترد وإن كانت من كافر). وروى أحمد في (مسنده)، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا: (دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا، ففجوره على نفسه). ومعنى ذلك أن الرب سبحانه وتعالى لا يرضى ظلم الكافر كما لا يرضى ظلم المؤمن، وأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يظلم الناس شيئا، فدخل في عموم هذا اللفظ جميع الناس من مؤمن وكافر، وحذر معاذا، رضي الله تعالى عنه، من الظلم مع علمه وفضله وورعه، وأنه من أهل بدر وقد شهد له بالجنة، غير أنه لا يأمن أحدا، بل يشعر نفسه بالخوف، وفوائده كثيرة ذكرناها في حديث معاذ، رضي الله تعالى عنه، في أول الزكاة.
46 ((باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة وقوله * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) *)) أي: هذا باب في بيان صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة، والمراد من الصلاة الدعاء لأن معناها اللغوي ذلك، وإنما عطف لفظ الدعاء على الصلاة لئلا يفهم أن الدعاء بلفظ الصلاة متعين، بل إذا دعي بلفظ يؤدي معنى الثناء والخير فإنه يكفي، مثل أن يقول: آجرك فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت أو يقول: اللهم اغفر له وتقبل منه، ونحو ذلك، والدليل عليه ما رواه النسائي من حديث وائل بن حجر أنه صلى الله عليه وسلم قال في رجل بعث بناقة حسنة في الزكاة: اللهم بارك فيه وفي إبله. قيل: إنما ذكر لفظ الإمام في الترجمة ردا لشبهة أهل الردة في قولهم لأبي بكر الصديق: إنما قال الله عز وجل لرسوله: * (وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) * (التوبة: 301). وادعوا خصوصية ذلك بالرسول، فأراد أن كل إمام داخل فيه، ولهذا ذكر هذه الآية الكريمة حيث قال فيه: وقوله، بالجر عطف على ما قبله من المجرور أعني: لفظ الصلاة والدعاء، أمر الله تعالى رسوله أن يأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، وأمره أن يصلي عليهم بقوله: * (وصل عليهم) * (التوبة: 301). أي: ادع لهم واستغفر لهم، كما يأتي في حديث الباب: (عن عبد الله ابن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بصدقة قوم صلى عليهم ، فأتاه أبي بصدقة فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى). وفي حديث آخر: (إن امرأة قالت: يا رسول الله، صل علي وعلى زوجي! فقال: صلى الله عليك وعلى زوجك). قوله: * (إن صلاتك سكن لهم) * (التوبة: 301). قال ابن عباس: أي سكن لهم، وقال قتادة: وقار وقرئ: * (إن صلواتك) * على الجمع. قوله: * (والله سميع عليم) * (التوبة: 301). أي: سميع لدعائك عليم من يستحق ذلك منك، ومن هو أهل له. وقال ابن بطال: معناه صل عليهم إذا ماتوا صلاة الجنازة لأنها في الشريعة محمولة على الصلاة أي: العبادة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم، أو أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم ينقل أحد أنه أمر السعاة بذلك، ولو كان واجبا لأمرهم به ولعلمهم كيفيته، وبالقياس على استيفاء سائر الحقوق إذ لا يجب الدعاء فيه. انتهى. قلت: لم ينحصر معنى قوله تعالى: * (وصل عليهم) * (التوبة: 301). على ما ذكره ابن بطال من الصلاة على الجنازة، بل جمهور المفسرين فسروا قوله: * (وصل عليهم) * (التوبة: 301). مثل ما ذكرنا، وعن هذا قال الخطابي: أصل الصلاة في اللغة الدعاء إلا أن الدعاء يختلف بحسب المدعو له، فصلاته عليه السلام لأمته دعاء لهم بالمغفرة، وصلاة الأمة له دعاء له بزيادة القربة والزلفة، وبظاهر الآية أخذ أهل الظاهر، وقالوا: الدعاء واجب، وخالفهم جميع العلماء، وقالوا: إنه مستحب لأنها تقع الموقع وإن لم يدع، ولو كان واجبا، لأمر السعاة به، كما ذكرنا.
7941 حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا شعبة عن عمر و عن عبد الله بن أبي أوفى قال