لم يكن معها أحد، فإن كان معها راكب أو سائق أو قائد، فجمهور العلماء على ضمان ما أتلفت، وقال داود وأهل الظاهر: لا ضمان بكل حال، سواء كان برجل أو بقدم لإطلاق النص، إلا أن يحملها الذي فوقها على ذلك، أو يقصده فيكون حينئذ كالآلة، وكذا إذا تعدى في ربطها أو إرسالها في موضع لا يجب ربطها فيه. وقالت الشافعية بالإطلاق، يعني سواء كان إتلافها بيدها أو رجلها أو فمها، ونحوه، فإنه يجب ضمانه في مال الذي هو معها، سواء كان مالكها أو مستأجرا أو مستعيرا أو غاصبا أو مودعا أو وكيلا أو غيره، إلا أن تتلف آدميا فتجب ديته على عاقلة الذي معها، والكفارة في ماله. وقال مالك والليث والأوزاعي: لا ضمان فيما إذا أصابته بيدها أو رجلها، وعند أبي حنيفة أنه: لا ضمان فيما رمحت برجلها دون يدها لإمكان التحفظ من اليد دون الرجل، وأما إذا أتلفت بالنهار وكانت معروفة بالإفساد ولم يكن معها أحد، فإن مالكها يضمن، لأن عليه ربطها والحالة هذه، وأما جنايتها بالليل فقال مالك: يضمن صاحبها ما أتلفته، وقال الشافعي وأصحابه: إن فرط في حفظها ضمن وإلا فلا. وقال أبو حنيفة: لا ضمان فيما رعته نهارا. وقال الليث وسحنون: يضمن، وقد ورد حديث صحيح مرفوع في إتلافها بالليل دون النهار في المزارع، وإنه يضمن كما قاله مالك، أخرجه أبو داود والنسائي من حديث حرام بن محيصة عن البراء، ومن حديث حرام عن أبيه: أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدته فقضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على أهل الأموال حفظها بالنهار، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل.
الوجه الثاني: مسألة البئر، وقد ذكرناه.
الوجه الثالث: مسألة الركاز، وفيه وجوب الخمس وهو إجماع العلماء إلا ما روي عن الحسن وقد ذكرناه. وقد ذكرنا أيضا أن الركاز قطع من الذهب تخرج من المعادن. وقال الكرماني: هل في الحديث ما يدل على أن المعدن ليس بركاز؟ قلت: نعم حيث عطف الركاز على المعدن، وفرق بينهما بواو فاصلة فصح أنهما مختلفان، وأن الخمس في الركاز لا فيه. قلت: الكرماني حفظ شيئا وغابت عنه أشياء، وروى البيهقي في (المعرفة) من حديث حبان بن علي عن عبد الله بن سعيد بن أبي عن أبيه عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الركاز الذهب الذي ينبت بالأرض)، ثم قال: وروي عن أبي يوسف عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن جده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (في الركاز الخمس، قيل: وما الركاز يا رسول الله؟ قال: الذهب الذي خلقه الله تعالى في الأرض يوم خلقت). انتهى. وهذا ينادي بأعلى صوته أن الركاز هو المعدن، وأصرح منه ما رواه الدارقطني في (العلل) وإن كان تكلم فيه حديث أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الركاز الذي ينبت على وجه الأرض)، وذكر حميد بن زنجويه النسائي في (كتاب الأموال) عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، أنه جعل المعدن ركازا وأوجب فيه الخمس، ومثله عن الزهري، وروى البيهقي من حديث مكحول أن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، جعل المعدن بمنزلة الركاز فيه الخمس. فافهم.
الوجه الرابع في المعدن، وهو أنواع ثلاثة: ما يذوب بالنار ولا ينطبع، كالجص والنورة والكحل والزرنيخ والمغرة. وما يوجد في الجبال، كالياقوت والزمرد والبلخش والفيروزج، ونحوها. وما يكون مائعا: كالقار والنفط والملح المائي ونحوها، فالوجوب يختص بالنوع الأول دون النوعين الأخيرين عندنا، وأوجب أحمد في الجميع، ومالك والشافعي في الذهب والفضة خاصة، وعموم الحديث حجة عليه.
الوجه الخامس أنه يجب في قليله وكثيره، ولا يشترط فيه النصاب عندنا، واشترط مالك والشافعي وأحمد أن يكون الموجود نصابا ولم يشترطوا الحول. وقالوا: كم من حول قد مضى عليه؟ وضعف هذا الكلام ظاهر، لأن الأحوال التي مضت عليه في غير ملك الواجد، فكيف يحسب عليه؟ واختار داود وإسحاق وابن المنذر وأحمد والمزني والشافعي والبويطي اشتراط النصاب والحول في ذلك، ولنا النصوص خالية عن اشتراط النصاب، فلا يجوز اشتراطه بغير دليل سمعي.
الوجه السادس: في مكانه إن وجد المسلم أو الذمي في داره معدنا فهو له ولا شيء فيه عند أبي حنيفة وأحمد إلا إذا حال عليه الحول وهو نصاب ففيه الزكاة، وعند أبي يوسف ومحمد: يجب الخمس في الحال، وعند مالك والشافعي: الزكاة في الحال