عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٢٣٣
ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة. ومنها: ما رواه أحمد من حديث ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة، ويسلب حليها ويجردها من كسوتها، وكأني أنظر إليه أصيدع أفيدع يضرب عليها مسحاته ومعوله). ومنها: ما رواه ابن الجوزي من حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثا فيه طول، وفيه: (وخراب مكة من الحبشة على يد حبشي أفحج الساقين أزرق العينين أفطس الأنف كبير البطن معه أصحابه، ينقضونها حجرا حجرا ويتناولونها حتى يرموا بها يعني: الكعبة إلى البحر، وخراب المدينة من الجوع وخراب اليمن من الجراد). وفي (كتاب الغريب) لأبي عبيد: عن علي، رضي الله تعالى عنه: (استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه، فكأني برجل من الحبشة أصلع وأصمع حمش الساقين قاعد عليها وهي تهدم). وخرجه الحاكم مرفوعا (وفيه: أصمع أقرع بيده معول وهو يهدمها حجرا حجرا). وذكر الغزالي في (مناسكه): لا تغرب الشمس من يوم إلا ويطوف بهذا البيت رجل من الأبدال، ولا يطلع الفجر من ليلة إلا طاف به أحد من الأوتاد، وإذا انقطع ذلك كان سبب رفعه من الأرض، فيصبح الناس وقد رفعت الكعبة ليس منها أثر، وهذا إذا أتى عليها سبع سنين لم يحجها أحد ثم، يرفع القرآن العظيم من المصاحف، ثم من القلوب، ثم يرجع الناس إلى الأشعار والأغاني وأخبار الجاهلية، ثم يخرج الدجال وينزل عيسى، عليه الصلاة والسلام، وفي (كتاب الفتن) لنعيم بن حماد: حدثنا بقية عن صفوان عن شريح (عن كعب: تخرج الحبشة خرجة ينتهون فيها إلى البيت، ثم يتفرغ إليهم أهل الشام فيجدونهم قد افترشوا الأرض، فيقتلونهم أودية بني علي، وهي قريبة من المدينة، حتى إن الحبشي يباع بالشملة). قال صفوان: وحدثني أبو اليمان (عن كعب، قال: يخربون البيت وليأخذن المقام فيدركون على ذلك، فيقتلهم الله تعالى. وفيه (ويخرجون بعد يأجوج). (وعن عبد الله بن عمرو: تخرج الحبشة بعد نزول عيسى، عليه الصلاة والسلام، فيبعث عيسى طائفة فيهزمون)، وفي رواية: (يهدم مرتين ويرفع الحجر في المرة الثالثة)، وفي رواية، ويرفع في الثانية. وفي رواية (ويستخرجون كنز فرعون بمنوف من الفسطاط، ويقتلون بوسيم) وفي لفظ: (فيأتون في ثلاثمائة ألف عليهم أسيس أو أسيس). وقال القرطبي: وقيل: إن خرابه يكون بعد رفع القرآن من الصدور والمصاحف، وذلك بعد موت عيسى، عليه الصلاة والسلام، وهو الصحيح.
فإن قلت: قال تعالى: * (حرما آمنا) * (القصص: 75). وهو يعارض ما ذكرتم من هذه الأشياء؟ قلت: قالوا: لا يلزم من قوله: * (حرما آمنا) * (القصص: 75). أن يكون ذلك دائما في كل الأوقات، بل إذا حصلت له حرمة وأمن في وقت ما، صدق عليه هذا اللفظ وصح المعنى، ولا يعارضه ارتفاع ذلك المعنى في وقت آخر. فإن قلت: قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله أحل لي مكة ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها إلى يوم القيامة). قلت: الحكم بالحرمة والأمر لا يرتفع إلى يوم القيامة، أما وقوع الخوف فيها وترك الحرمة فقد وجد من ذلك في أيام يزيد وغيره كثيرا، وقال عياض: * (حرما آمنا) * (القصص: 75). أي: إلى قرب القيامة، وقيل: يختص منه قصة ذي السويقتين. وقال ابن الجوزي: إن قيل ما السر في حراسة الكعبة من الفيل ولم تحرس في الإسلام مما صنع بها الحجاج والقرامطة وذو السويقتين؟ فالجواب: إن حبس الفيل كان من أعلام النبوة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلائل رسالته لتأكيد الحجة عليهم بالأدلة التي شوهدت بالبصر قبل الأدلة التي ترى بالبصائر، وكان حكم الحبس أيضا دلالة على وجود الناصر.
2951 حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها (ح) وحدثني محمد بن مقاتل قال أخبرني عبد الله هو ابن المبارك قال أخبرنا محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان وكان يوما تستر فيه الكعبة فلما فرض الله رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء أن يصومه فليصمه ومن شاء أن يتركه فليتركه.
.
قد مر وجه المطابقة بين الحديث والترجمة، ووجه آخر وهو: أن المشركين كانوا يعظمون الكعبة قديما بالستور
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»