بعضهم: كأنه أشار إلى حديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، في قصة إسكان إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، هاجر وابنها في مكان مكة. وقال الكرماني، رحمه الله تعالى، لعل غرضه منه الإشعار بأنه لم يجد حديثا بشرطه مناسبا لها، أو ترجم الأبواب أولا ثم ألحق بكل باب كل ما اتفق ولم يساعده الزمان بإلحاق حديث بهذا الباب، وهكذا حكم كل ترجمة هي مثلها. قلت: الوجه الأول: من الوجهين اللذين ذكرهما الكرماني بعيد، وأبعد منه ما ذكره بعضهم، لأن الإشارة لا تكون إلا للحاضر، فالذي يطلع على هذه الترجمة كيف يقول: هذه إشارة إلى حديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنه وهو لم يطلع عليه ولا عرفه؟ ولا أقرب في هذا من الوجه الثاني: الذي قاله الكرماني، فافهم. قوله: * (وإذ قال إبراهيم) * (إبراهيم: 53). أي: أذكر * (إذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد) * أي: مكة * (آمنا) * من القتل والغارة، ويقال من الجذام والبرص. * (واجنبني وبني) * أي: احفظني، وبني * (أن نعبد الأصنام) * وذلك أن إبراهيم، عليه السلام، لما فرغ من بناء البيت سأل ربه أن يجعل البلد آمنا، وخاف على بنيه لأنه رأى قوما يعبدون الأصنام والأوثان، فسأل أن يجتنبهم عن عبادتها. قوله: * (أن نعبد) * أي: بأن نعبد أي: عبادة الأوثان، لأن: أن، مصدرية. قوله: * (رب) * يعني: يا رب. * (إنهن) * أي: الأصنام * (أضللن كثيرا من الناس) * لأنهن كن سببا لضلالهم، فنسب الضلال إليهن، وإن لم يكن منهن عمل في الحقيقة، وقيل: كان الإضلال منهن لأن الشيطان كان يدخل في جوف الأصنام ويتكلم قلت: هذا أيضا ليس منهن في الحقيقة. قوله: * (فمن تبعني) * يعني من آمن بي * (فإنه مني) * أي: على ديني، ويقال: فهو من أمتي * (ومن عصاني) * فلم يطعني ولم يوحدك * (فإنك غفور رحيم) * إن تاب أو توفقه حتى يسلم. قوله: * (ربنا إني أسكنت من ذريتي) * أي: أنزلت بعض ذريتي، وهو إسماعيل، عليه السلام، بواد غير ذي زرع ، وهو مكة وهو: قوله: * (عند بيتك المحرم) * يعني: الذي فيه حرم القتال والاصطياد، وأن يدخل فيه أحد بغير إحرام. قوله: * (ربنا ليقيموا الصلاة) * يعني: وفقهم ليقيموها، وإنما ذكر الصلاة لأنها أولى العبادات وأفضلها، قوله: * (فاجعل أفئدة من الناس) * أي: قلوبا، وهو جمع فؤاد * (تهوى إليهم) * أي: تشتاق إليهم وتسرع إليهم. وقال سعيد بن جبير: لو قال: أفئدة الناس، يعني بغير: من، لحجت اليهود والنصارى والمجوس، ولكنه خص قوله: * (وارزقهم من الثمرات) * يعني: من الثمرات التي تكون في بلاد الريف، يجيء بها الناس. قوله: * (لعلهم يشكرون) * أي: لكي يشكروا فيما ترزقهم.
0951 حدثنا الحميدي قال حدثنا الوليد قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر وهو بمنى نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر يعني ذالك المحصب وذالك أن قريشا وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب أو بني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم.
.
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة، رواه عن عبد الله بن الزبير الحميدي المكي عن الوليد بن مسلم القرشي الأموي الدمشقي عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن محمد بن مسلم الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.
قوله: (من الغد) أصله: من الغدو، فحذفوا اللام وهو أول النهار، وقال الجوهري: الغدوة، بضم الغين: ما بين الصبح وطلوع الشمس. قوله: (يوم النحر)، نصب على الظرف، أي: قال: في غداة يوم النحر. قوله: (وهو بمنى)، جملة اسمية وقعت حالا. قوله: (نحن نازلون)، مقول قوله: قال النبي، صلى الله عليه وسلم. قوله: (يعني ذلك المحصب)، هكذا هو في رواية المستملي، وفي رواية غيره: (يعني بذلك المحصب). وقال الكرماني: فإن قلت: النزول في المحصب هو في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة لا في اليوم الثاني من العيد الذي هو الغد حقيقة؟ قلت: تجوز عن الزمان المستقبل القريب بلفظ الغد، كما يتجوز بالأمس عن الماضي. قوله: (وذلك أن قريشا وكنانة)، عطف على قريش مع أن قريشا هم أولاد النضر بن كنانة، فيكون من باب التعميم بعد التخصيص، ويحتمل أن يراد بكنانة غير قريش، فقريش قسيم له لا قسم منه قيل: لم يعقب النضر غير مالك، ولا مالك غير فهر، فقريش ولد النضر بن كنانة، وأما كنانة فأعقب من غير النضر، فلهذا وقعت المغايرة. قوله: (أو بني المطلب) كذا وقع عنده بالشك، ووقع عند البيهقي من طريق أخرى عن الوليد. (وبني المطلب) بغير شك. وقال الداودي قوله: (بني عبد المطلب). وهم قوله: (تحالفت) كان القياس فيه: تحالفوا، ولكن أفرده بصيغة المفرد المؤنث باعتبار الجماعة. قوله: (أن لا يناكحوهم)، يعني: لا يقع بينهم عقد نكاح بأن لا يتزوج قريش وكنانة امرأة من بني هاشم وبني عبد المطلب، ولا يزوجوا امرأة منهم إياهم، وكذلك المعنى في قوله: (ولا يبايعوهم)، بأن لا يبيعوا لهم ولا يشتروا منهم، وفي رواية محمد بن مصعب عن الأوزاعي عند أحمد: (أن لا يناكحوهم ولا يخالطوهم). وفي رواية الإسماعيلي: (ولا يكون بينهم وبينهم شيء)، وهذا أعم. قوله: (حتى يسلموا)، بضم الياء. وكانت هذه القصة فيما ذكر في (الطبقات): لما بلغ قريشا فعل النجاشي بجعفر وأصحابه، وإكرامه لهم، كبر ذلك عليهم جدا وغضبوا وأجمعوا على قتل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتبوا كتابا على بني هاشم أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم، وكان الذي كتب الصحيفة منصور بن عكرمة العبدري فشلت يده، وفي الأنساب للزبير بن أبي بكر، اسمه: بغيض بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وقال الكلبي: هو منصور بن عامر بن هاشم أخو عكرمة بن عامر بن هاشم، ثم ذكر في (الطبقات): وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة، وقال بعضهم: بل كانت عند أم الجلاس بنت مخربة الحنظلية، خالة أبي جهل، وحصروا بني هاشم في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من حين النبوة، وانحاز بنو المطلب بن عبد مناف إلى أبي طالب في شعبة، وخرج أبو لهب إلى قريش فظاهرهم على بني هاشم وبني المطلب، وقطعوا عنهم الميرة والمارة، فكانوا لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم حتى بلغهم الجهد، فأقاموا فيه ثلاث سنين، ثم أطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على أمر صحيفتهم وأن الأرضة أكلت ما كان فيها من جور وظلم. وبقي ما كان فيها من ذكر الله، عز وجل، وفي لفظ: (ختموا على الكتاب ثلاثة خواتيم) فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب، فقال أبو طالب لكفار قريش: إن ابن أخي أخبرني، ولم يكذبني قط، أن الله تعالى قد سلط على صحيفتكم الأرضة فلحست ما كان فيها من جور وظلم وبقي فيها كل ما ذكر به الله تعالى، فإن كان ابن أخي صادقا نزعتم عن سوء رأيكم، وإن كان كاذبا دفعته إليكم فقتلتموه أو استحييتموه. قالوا: قد أنصفتنا، فإذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقط في أيديهم ونكسوا على رؤوسهم، فقال أبو طالب: علام نحبس ونحصر، وقد بان الأمر؟ فتلاوم رجال من قريش على ما صنعوا ببني هاشم، منهم مطعم بن عدي وعدي بن قيس وزمعة بن الأسود وأبو البحتري بن هاشم وزهير بن أبي أمية، ولبسوا السلاح ثم خرجوا إلى بني هاشم وبني المطلب فأمروهم بالخروج إلى مساكنهم، ففعلوا، فلما رأت قريش ذلك سقط في أيديهم وعرفوا أن لن يسلموهم، وكان خروجهم من الشعب في السنة العاشرة.