وقال سلامة عن عقيل ويحيى بن الضحاك عن الأوزاعي: أخبرني ابن شهاب وقالا بني هاشم وبني المطلب. قال أبو عبد الله بني المطلب أشبه سلامة هو ابن روح، بفتح الراء: الأيلي، هو يروي عن عمه عقيل، بضم العين: ابن خالد الأيلي، وهذا التعليق وصله ابن خزيمة في (صحيحه) من طريقه. قوله: (ويحيى عن الضحاك)، هكذا وقع في رواية أبي ذر، وكريمة بلفظ: عن الضحاك، والصحيح: ويحيى بن الصحاك، وهو يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي، بباءين موحدتين الثانية مضمومة وبعدها اللام المضمومة وبعدها تاء مثناة من فوق مشددة، نسبة إلى: بابلت، قال ابن السمعاني: وظني أنها موضع بالجزيرة، وقال الرشاطي: موضع بالري، ونسبة يحيى هذا إلى جده وليس له رواية في البخاري إلا في هذا الموضع، وهو يروي عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وقال يحيى بن معين: يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي، والله لم يسمع من الأوزاعي شيئا، وذكر الهيثم بن خلف الدوري أن أمه كانت تحت الأوزاعي، فإذا كان كذلك فلا يبعد سماعه منه، لأنه في حجره، وقال عنبسة بن خالد: لم يكن لسلامة ابن روح من السن ما يسمع من عقيل بن خالد، وتعليق يحيى عن الضحاك وصله أبو عوانة في (صحيحه) والخطيب في (المدرج). قوله: (وقالا)، أي: سلامة ويحيى أن روايتهما عن شيخهما عن ابن شهاب هو بني المطلب دون لفظ: عبد، بخلاف رواية الوليد فإنها مترددة بين المطلب وعبد المطلب. قوله: (قال أبو عبد الله) هو البخاري نفسه بني المطلب أشبه بالصواب يعني بحذف العبد، لأن عبد المطلب هو ابن هاشم، ولفظ هاشم مغن عنه، وأما المطلب فهو أخو هاشم وهما ابنان لعبد مناف، فالمقصود أنهم تحالفوا على بني عبد مناف.
[با 64 ((باب قول الله تعالى * (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هاذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب أنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم. ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) * الآية (إبراهيم: 53).)) أي: هذا باب في ذكر قول الله عز وجل * (وإذ قال إبراهيم) * (إبراهيم: 53). إلى آخره إنما لم يذكر البخاري في هذه الترجمة حديثا، فقال بعضهم: كأنه أشار إلى حديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، في قصة إسكان إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، هاجر وابنها في مكان مكة. وقال الكرماني، رحمه الله تعالى، لعل غرضه منه الإشعار بأنه لم يجد حديثا بشرطه مناسبا لها، أو ترجم الأبواب أولا ثم ألحق بكل باب كل ما اتفق ولم يساعده الزمان بإلحاق حديث بهذا الباب، وهكذا حكم كل ترجمة هي مثلها. قلت: الوجه الأول: من الوجهين اللذين ذكرهما الكرماني بعيد، وأبعد منه ما ذكره بعضهم، لأن الإشارة لا تكون إلا للحاضر، فالذي يطلع على هذه الترجمة كيف يقول: هذه إشارة إلى حديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنه وهو لم يطلع عليه ولا عرفه؟ ولا أقرب في هذا من الوجه الثاني: الذي قاله الكرماني، فافهم. قوله: * (وإذ قال إبراهيم) * (إبراهيم: 53). أي: أذكر * (إذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد) * أي: مكة * (آمنا) * من القتل والغارة، ويقال من الجذام والبرص. * (واجنبني وبني) * أي: احفظني، وبني * (أن نعبد الأصنام) * وذلك أن إبراهيم، عليه السلام، لما فرغ من بناء البيت سأل ربه أن يجعل البلد آمنا، وخاف على بنيه لأنه رأى قوما يعبدون الأصنام والأوثان، فسأل أن يجتنبهم عن عبادتها. قوله: * (أن نعبد) * أي: بأن نعبد أي: عبادة الأوثان، لأن: أن، مصدرية. قوله: * (رب) * يعني: يا رب. * (إنهن) * أي: الأصنام * (أضللن كثيرا من الناس) * لأنهن كن سببا لضلالهم، فنسب الضلال إليهن، وإن لم يكن منهن عمل في الحقيقة، وقيل: كان الإضلال منهن لأن الشيطان كان يدخل في جوف الأصنام ويتكلم قلت: هذا أيضا ليس منهن في الحقيقة. قوله: * (فمن تبعني) * يعني من آمن بي * (فإنه مني) * أي: على ديني، ويقال: فهو من أمتي * (ومن عصاني) * فلم يطعني ولم يوحدك * (فإنك غفور رحيم) * إن تاب أو توفقه حتى يسلم. قوله: * (ربنا إني أسكنت من ذريتي) * أي: أنزلت بعض ذريتي، وهو إسماعيل، عليه السلام، بواد غير ذي زرع، وهو مكة وهو: قوله: * (عند بيتك المحرم) * يعني: الذي فيه حرم القتال والاصطياد، وأن يدخل فيه أحد بغير إحرام. قوله: * (ربنا ليقيموا الصلاة) * يعني: وفقهم ليقيموها، وإنما ذكر الصلاة لأنها أولى العبادات وأفضلها، قوله: * (فاجعل أفئدة من الناس) * أي: قلوبا، وهو جمع فؤاد * (تهوى إليهم) * أي: تشتاق إليهم وتسرع إليهم. وقال سعيد بن جبير: لو قال: أفئدة الناس، يعني بغير: من، لحجت اليهود والنصارى والمجوس، ولكنه خص قوله: * (وارزقهم من الثمرات) * يعني: من الثمرات التي تكون في بلاد الريف، يجيء بها الناس. قوله: * (لعلهم يشكرون) * أي: لكي يشكروا فيما ترزقهم.
74 ((باب قول الله تعالى * (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذالك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم) * (المائدة: 79).)) أي: هذا باب في ذكر قول الله تعالى، عز وجل: جعل الله... إلى آخره، ووقع في شرح ابن بطال بأنه ضم الباب السابق إلى هذا وجعلهما واحدا، فقال بعد قوله: * (لعلهم يشكرون) * (إبراهيم: 53). وقول الله تعالى: * (جعل الله الكعبة) * (المائدة: 79). إلى آخره، قال بعضهم: كأنه يشير إلى أن المراد بقوله: * (قياما) * أي: قواما، وأنها ما دامت موجودة فالدين قائم.
قلت: السر في هذا والتحقيق أنه جعل هذه الآية الكريمة ترجمة وأشار بها إلى أمور. الأول: أشار فيه إلى أن قوام أمور الناس وانتعاش أمر دينهم ودنياهم بالكعبة المشرفة يدل على قوله * (قياما للناس) * (المائدة: 79). فإذا زالت الكعبة على يد ذي السويقتين تختل أمورهم، فلذلك أورد حديث أبي هريرة فيه مناسبة لهذا، فتقع به المطابقة بين الحديث والترجمة. والثاني: أشار به إلى تعظيم الكعبة وتوقيرها، يدل عليه قوله: * (البيت الحرام) * حيث وصفها بالحرمة، فأورد حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، فيه مناسبة لهذا، فتقع به المطابقة بين الحديث والترجمة، وذلك في قوله: (وكان يوما تستر فيه الكعبة). والثالث: أشار به إلى أن الكعبة لا تنقطع الزوار عنها، ولهذا تحج بعد خروج يأجوج ومأجوج الذي يكون فيه من الفتن والشدائد ما لا يوصف، فلذلك أورد حديث أبي سعيد الخدري فيه مناسبة لهذا، وهو قوله: (ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج)، ويدل على هذا الوجه أيضا قياما، فتقع به المطابقة بين الحديث والترجمة. قوله: (البيت الحرام)، نصب على أنه عطف بيان على جهة المدح لا على التوضيح كما تجيء الصفة، كذلك قاله الزمخشري. قوله: (قياما) أي: عمادا للناس في أمر دينهم ودنياهم ونهوضا إلى أغراضهم ومقاصدهم في معاشهم ومعادهم لما يتم لهم من أمر حجهم وعمرتهم وتجارتهم وأنواع منافعهم، وروي عن عطاء بن أبي رباح: لو تركوها عاما واحدا