عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٢٢٩
بن موسى بن إسماعيل.
قوله: (حين أراد قدوم مكة)، يعني: حين رجوعه من منى وتوجهه إلى البيت. قوله: (منزلنا) مرفوع على الابتداء. (وغدا) نصب على الظرف. و (إن شاء الله) كلام معترض بين المبتدأ وخبره، ذكره للتبرك والامتثال لقوله تعالى: * (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا..) * (الكهف: 32). الآية. قوله: (بخيف بني كنانة) أي: في خيف، وهو بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره فاء، وهو ما انحدر من الجبل وارتفع عن المسيل، و: كنانة، بكسر الكاف وتخفيف النون الأولى. قوله: (حيث تقاسموا) أي: تحالفوا على الكفر. قال النووي: معنى تقاسمهم على الكفر تحالفهم على إخراج النبي، صلى الله عليه وسلم، وبني هاشم والمطلب من مكة إلى هذا الشعب، وهو خيف بني كنانة، وكتبوا بينهم الصحيفة المشهورة فيها أنواع من الباطل، فأرسل الله عليها الأرضة فأكلت ما فيها من الكفر وتركت ما فيها من ذكر الله تعالى، فأخبر جبريل النبي، صلى الله عليه وسلم، بذلك فأخبر به عمه أبا طالب، فأخبرهم عن النبي، صلى الله عليه وسلم، بذلك فوجدوه كما قاله، والقصة مشهورة، نوضحها بأكثر من ذلك عن قريب، إن شاء الله تعالى.
0951 حدثنا الحميدي قال حدثنا الوليد قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر وهو بمنى نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر يعني ذالك المحصب وذالك أن قريشا وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب أو بني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم.
.
هذا طريق آخر في حديث أبي هريرة، رواه عن عبد الله بن الزبير الحميدي المكي عن الوليد بن مسلم القرشي الأموي الدمشقي عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن محمد بن مسلم الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.
قوله: (من الغد) أصله: من الغدو، فحذفوا اللام وهو أول النهار، وقال الجوهري: الغدوة، بضم الغين: ما بين الصبح وطلوع الشمس. قوله: (يوم النحر)، نصب على الظرف، أي: قال: في غداة يوم النحر. قوله: (وهو بمنى)، جملة اسمية وقعت حالا. قوله: (نحن نازلون)، مقول قوله: قال النبي، صلى الله عليه وسلم. قوله: (يعني ذلك المحصب)، هكذا هو في رواية المستملي، وفي رواية غيره: (يعني بذلك المحصب). وقال الكرماني: فإن قلت: النزول في المحصب هو في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة لا في اليوم الثاني من العيد الذي هو الغد حقيقة؟ قلت: تجوز عن الزمان المستقبل القريب بلفظ الغد، كما يتجوز بالأمس عن الماضي. قوله: (وذلك أن قريشا وكنانة)، عطف على قريش مع أن قريشا هم أولاد النضر بن كنانة، فيكون من باب التعميم بعد التخصيص، ويحتمل أن يراد بكنانة غير قريش، فقريش قسيم له لا قسم منه قيل: لم يعقب النضر غير مالك، ولا مالك غير فهر، فقريش ولد النضر بن كنانة، وأما كنانة فأعقب من غير النضر، فلهذا وقعت المغايرة. قوله: (أو بني المطلب) كذا وقع عنده بالشك، ووقع عند البيهقي من طريق أخرى عن الوليد. (وبني المطلب) بغير شك. وقال الداودي قوله: (بني عبد المطلب). وهم قوله: (تحالفت) كان القياس فيه: تحالفوا، ولكن أفرده بصيغة المفرد المؤنث باعتبار الجماعة. قوله: (أن لا يناكحوهم)، يعني: لا يقع بينهم عقد نكاح بأن لا يتزوج قريش وكنانة امرأة من بني هاشم وبني عبد المطلب، ولا يزوجوا امرأة منهم إياهم، وكذلك المعنى في قوله: (ولا يبايعوهم)، بأن لا يبيعوا لهم ولا يشتروا منهم، وفي رواية محمد بن مصعب عن الأوزاعي عند أحمد: (أن لا يناكحوهم ولا يخالطوهم). وفي رواية الإسماعيلي: (ولا يكون بينهم وبينهم شيء)، وهذا أعم. قوله: (حتى يسلموا)، بضم الياء. وكانت هذه القصة فيما ذكر في (الطبقات): لما بلغ قريشا فعل النجاشي بجعفر وأصحابه، وإكرامه لهم، كبر ذلك عليهم جدا وغضبوا وأجمعوا على قتل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتبوا كتابا على بني هاشم أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم، وكان الذي كتب الصحيفة منصور بن عكرمة العبدري فشلت يده، وفي الأنساب للزبير بن أبي بكر، اسمه: بغيض بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وقال الكلبي: هو
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 231 232 233 ... » »»