44 ((باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها وأن الناس في مسجد الحرام سواء خاصة)) أي: هذا باب في بيان حكم توريث دور مكة وبيعها وشرائها، وإنما لم يبين الحكم بالجواز أو بعدمه لمكان الاختلاف فيه. وقال بعضهم: أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف حديث علقمة بن نضلة، قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، رضي الله تعالى عنهما، وما ترعى رباع مكة إلا السوائب، من احتاج سكن، رواه ابن ماجة، قلت: ليت شعري ما وجه هذه الإشارة؟ والإشارة لا تكون إلا للحاضر. وروى هذا الحديث الطحاوي من طريقين برجال ثقات، ولكنه منقطع، لأن علقمة بن نضلة ليس بصحابي، ولفظ الطحاوي في أحد الطريقين، عن علقمة بن نضلة، قال: كانت الدور على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، رضي الله تعالى عنهم: ما تباع ولا تكرى ولا ترعى إلا السوائب، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن. وأخرجه البيهقي أيضا، ولفظه عن علقمة بن نضلة الكناني، قال: كانت بيوت مكة ترعى السوائب، لم يبع رباعها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبي بكر ولا عمر، من احتاج سكن، ومن استغنى أسكن. قوله: السوائب، جمع سائبة، وأصلها من تسييب الدواب، وهو: إرسالها تذهب وتجيء كيف شاءت، وأراد بها: أنها كانت سائبة لكل أحد من شاء كان يسكنها فإذا فرغ منها أسكن غيره فلا بيع ولا إجازة، والرباع جمع ربع، وهو المنزل، قال الجوهري: الربع الدار بعينها حيث كانت، وجمعها: رباع وأربع وربوع وأرباع والربع: المحلة، أيضا وروى الطحاوي أيضا من حديث مجاهد عن عبد الله بن عمرو، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: لا يحل بيع بيوت مكة ولا إجارتها. ورواه البيهقي أيضا ثم قال الطحاوي: فذهب قوم إلى هذه الآثار فقالوا: لا يجوز بيع أرض مكة ولا إجارتها، وممن قال بهذا القول: أبو حنيفة ومحمد والثوري. قلت: أراد بالقوم هؤلاء، عطاء بن أبي رباح ومجاهدا ومالكا وإسحاق وأبا عبيد، ثم قال: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس ببيع أرضها وإجارتها، وجعلوها في ذلك كسائر البلدان، وممن ذهب إلى هذا القول أبو يوسف. قلت: أراد بالآخرين طاووسا وعمرو بن دينار والشافعي وأحمد وابن المنذر معهم، واحتج هؤلاء بحديث الباب، على ما يأتي. قوله: (فإن الناس)، عطف على قوله: (في دور مكة)، والتقدير: وفي بيان أن الناس في مسجد الحرم سواء أي: متساوون. قال الكرماني: أي في نفس المسجد، لا في سائر المواضع من مكة. قلت: هذا ميل منه إلى ترجيح مذهبه، والمراد من المسجد الحرام: الحرم كله، ورد ذلك عن ابن عباس وعطاء ومجاهد. أخرجه ابن أبي حاتم وغيرهم عنهم، وكذا روي عن ابن عمر: أن الحرم كله مسجد ويروى في المسجد الحرام، بالألف واللام في المسجد قوله: (خاصة) قيد للمسجد الحرام، وقد قلنا إن المسجد الحرام كله حرم.
لقوله تعالى: * (إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) * (الحج: 52).
هذا تعليل لقوله: (وإن الناس في المسجد الحرام سواء). قوله: * (إن الذين كفروا) * يعني: أهل مكة. قوله: * (ويصدون عن سبيل الله) * أي: ويصرفون الناس عن دين الإسلام. وقال الزمخشري: الصدود منهم مستمر دائم للناس، أي للذين يقع عليهم اسم الناس من غير فرق بين حاضر وباد وناى وظارىء مكي وآفقي وقد استشهد به أصحاب أبي حنيفة قائلين بأن المراد من المسجد الحرام مكة على امتناع بيع دور مكة وإجارتها. وقال أبو الليث السمرقندي في (تفسيره) وهذه الآية مدنية، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من المدينة منعهم المشركون عن المسجد الحرام، ثم وصف المسجد الحرام فقال: * (اللذين جعلناه للناس سواء) * للمؤمنين جميعا، ثم قال: * (العاكف فيه والبادي) * يعني: سواء المقيم في الحرم، ومن دخل مكة من غير أهلها، ويقال: المقيم والغريب سواء. وقرأ عاصم في رواية حفص: * (سواء) * بالنصب يعني: جعلناه سواء، وقرأ الباقون بالضم سواء، على معنى الابتداء، وقال الزمخشري: وجه النصب أنه ثاني مفعولي: جعلناه، أي: جعلناه مستويا العاكف فيه والبادي، وفي القراءة بالرفع الجملة مفعول ثان. قوله: * (ومن يرد فيه بإلحاد) * الباء فيه صلة، وأصله: ومن يرد فيه إلحادا كما في قوله تعالى: * (تنبت بالدهن) * (المؤمنون: 02). وقال الزمخشري: ومفعول: يرد، متروك ليتناول كل متناول كأنه قال: ومن يرد فيه مرادا ما عادلا عن القصد ظالما، وقرئ: يرد، بفتح الياء من الورود، ومعناه: من أتى فيه بإلحاد ظالما