قال: كان الناس يصلون إلى القبر فأمر به عمر بن عبد العزيز فرفع حتى لا يصلي إليه أحد، فلما هدم بدت قدم بساق وركبة، ففزع عمر بن عبد العزيز فأتاه عروة فقال: هذا ساق عمر، رضي الله تعالى عنه، وركبته، فسري عن عمر بن عبد العزيز: وروى الآجري من طريق مالك بن مغول عن رجاء بن حيوة قال: كتب الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز، وكان قد اشترى حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: أن أهدمها ووسع بها المسجد، فقعد عمر في ناحية ثم أمر بهدمها، فما رأيت باكيا أكثر من يومئذ، ثم بناه كما أراد، فلما أن بنى البيت على القبر وهدم البيت الأول ظهرت القبور الثلاثة، وكان الرمل الذي عليها قد انهار، ففزع عمر بن عبد العزيز وأراد أن يقوم فيسويها بنفسه، فقلت له: أصلحك الله، إنك إن قمت قام الناس معك، فلو أمرت رجلا أن يصلحها، ورجوت أنه يأمرني بذلك، فقال: يا مزاحم يعني مولاه قم فأصلحها. قال رجاء: فكان قبر أبي بكر عند وسط النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر خلف أبي بكر رأسه عند وسطه. وفي (الإكليل): عن وردان، وهو الذي بني بيت عائشة: لما سقط شقه الشرقي في أيام عمر بن عبد العزيز، وإن القدمين لما بدتا قال سالم بن عبد الله: أيها الأمير هذان قدما جدي وجدك عمر. وقال أبو الفرج الأموي في (تاريخه): وردان هذا هو أبو امرأة أشعب الطماع، وفي (الطبقات) قال مالك: قسم بيت عائشة ثلاثين: قسم كان فيه القبر، وقسم كان تكون فيه عائشة وبينهما حائط، فكانت عائشة ربما دخلت جنب القبر فصلا، فلما دفن عمر، رضي الله تعالى عنه لم تدخله إلا وهي جامعة عليها ثيابها. وقال عمرو بن دينار وعبيد الله ابن أبي يزيد: لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم على بيت النبي صلى الله عليه وسلم حائط، فكان أول من بنى عليه جدارا عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، قال عبيد الله: كان جداره قصيرا، ثم بناه عبد الله بن الزبير وزاد فيه. وفي (الدرة الثمينة) لابن النجار: سقط جدار الحجرة مما يلي موضع الجنائز في زمان عمر، رضي الله تعالى عنه، فظهرت القبور، فما رؤي باكيا أكثر من يومئذ فأمر عمر بقباطي يستر بها الموضع، وأمر ابن وردان أن يكشف عن الأساس، فلما بدت القدمان قام عمر فزعا، فقال له عبيد الله بن عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهم، وكان حاضرا: أيها الأمير لا تفزع فهما قدما جدك عمر، ضاق البيت عنه فحفر له في الأساس، فقال له عمر: يا ابن وردان غط ما رأيت، ففعل. وفي رواية: أن عمر أمر أبا حفصة، مولى عائشة وناسا معه، فبنوا الجدار وجعلوا فيه كوة، فلما فرغوا منه ورفعوه دخل مزاحم مولى عمر فقم ما سقط على القبر من التراب وبنى عمر على الحجرة حاجزا في سقف المسجد إلى الأرض، وصارت الحجرة في وسطه وهو على دورانها، فلما ولي المتوكل أزرها بالرخام من حولها، فلما كان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، في خلافة المقتفي، جدد التأزير وجعل قامة وبسطة، وعمل لها شباكا من الصندل والأبنوس وأداره حولها مما يلي السقف، ثم إن الحسن بن أبي الهيجا، صهر الصالح وزير المصريين، عمل لها ستارة من الديبقي الأبيض مرقومة بالإبريسيم الأصفر والأحمر، ثم جاءت من المستضيء بأمر الله ستارة من الإبريسيم البنفسجي وعلى دوران حاماتها مرقوم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله تعالى عنهم، ثم شيلت تلك ونفذت إلى مشهد علي بن أبي طالب، وعلقت هذه. ثم إن الناصر لدين الله نفذ ستارة من الإبريسيم الأسود وطرزها وحاماتها أبيض، فعلقت فوق تلك، ثم لما حجت الجهة الخليفية عملت ستارة على شكل المذكورة ونفذتها فعلقت. قوله: (في زمان الوليد بن عبد الملك) بفتح الواو وكسر اللام، وجده مروان بن الحكم ولي الأمر بعد موت عبد الملك في سنة ست وثمانين، وكان أكبر ولد عبد الملك، وكانت خلافته تسع سنين وثمانية أشهر على المشهور، وكانت وفاته يوم السبت منتصف جمادى الآخرة من سنة ست وتسعين بدمشق بدير مروان، وصلى عليه عمر بن عبد العزيز، وحمل على أعناق الرجال ودفن بمقابر باب الصغير، وقيل: بباب الفراديس، ثم بعد وفاته بويع بالخلافة لأخيه سليمان بن عبد الملك، وكان سليمان بالرملة. قوله: (فبدت لهم قدم) أي: ظهرت من البدو وهو الظهور. قوله: (وعن هشام عن أبيه) هو بالإسناد المذكور. وأخرجه البخاري أيضا مسندا في الاعتصام عن عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن هشام بزيادة، وأخرجه الإسماعيلي من طريق عبدة عن هشام وزاد فيه: (وكان في بيتها موضع قبر). قوله: (لا تدفني معهم) أي: مع النبي، صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر، وإنما قالت ذلك مع أنه بقي في البيت موضع ليس فيه أحد خوفا من أن يجعل لها بذلك مزية فضل. وفي (التكملة) لابن الأبار، من حديث محمد بن عبد الله العمري: حدثنا شعيب بن طلحة من ولد أبي بكر عن أبيه
(٢٢٧)