عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٢١٩
لكونه قام بالأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فناسب أن تكون وفاته متأخرة عن الوقت الذي قبض فيه، عليه الصلاة والسلام، وقيل: إنما سأل أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، عن ذلك بصيغة الاستفهام توطئة لعائشة للصبر على فقده، لأنه لم تكن خرجت من قلبها الحرقة، لموت النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذكر ابتداء من أمر موته لدخل عليها غم عظيم من ذلك، وتجديد حزن، لأنه كان يكون حينئذ غم على غم وحزن على حزن، ولم يقصد أبو بكر ذلك، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون السؤال عن قدر الكفن على حقيقته لأنه لم يحضر ذلك لاشتغاله بأمر البيعة. انتهى. قلت: ما أبعد هذا عن منهج الصواب، لأنا قد ذكرنا أن السؤال والجواب إنما كانا في مرض موت أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، لأجل الموافقة والاتباع، وأين كان وقت اشتغاله بأمر البيعة من هذا الوقت الذي كان فيه مريضا مرض الموت، ومن البعيد أن لا يحضر أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، تكفين النبي صلى الله عليه وسلم مع كونه أقرب الناس إليه في كل شيء، ومع هذا كانت البيعة في اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم الاثنين، والتكفين كان وقت دفنه ليلة الأربعاء. قاله ابن إسحاق. فإن قلت: قال الواقدي: كانت البيعة يوم الاثنين قلت: كانت يوم الاثنين يوم السقيفة، وكانت البيعة العامة يوم الثلاثاء، قاله الزهري وغيره. قوله: (بيض)، بكسر الباء الموحدة جمع: أبيض. قوله: (سحولية)، بفتح السين المهملة: نسبة إلى سحول، قرية باليمن، وقد مر الكلام فيه مستوفى في: باب الثياب البيض للكفن، قوله: (وقال لها) أي: قال أبو بكر لعائشة، رضي الله تعالى عنها، في أي يوم توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال بعضهم: وأما تعيين اليوم فنسيانه أيضا يحتمل، لأنه صلى الله عليه وسلم دفن ليلة الأربعاء، فيمكن أن يحصل التردد: هل مات يوم الاثنين أو الثلاثاء؟ انتهى قلت: هذا أبعد من الأول، لأنه كيف يخفى عليه ذلك وقد بويع له في ذلك اليوم بيعة السقيفة؟ وأيضا كان ذلك اليوم يوم اختلاف الصحابة فيه في موته، فمن قائل، قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قائل قال: لم يمت ومنهم عمر، رضي الله تعالى عنه، حتى خطب أبو بكر إلى جانب المنبر، وبين لهم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأزال الجدال وأزاح الإشكال. وكيف يخفى عليه مثل ذلك اليوم مع قرب العهد، وإنما كان وجه سؤاله ليعلمها أنه كان يتمنى أن تكون وفاته يوم الاثنين، ولم يكن سؤاله عن حقيقة ذلك، وإنما قالت عائشة، رضي الله تعالى عنها، يوم الاثنين تطييبا لقلبه، لما قال أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، في أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ويوم الاثنين منصوب على الظرفية. قوله: (قال فأي يوم هذا؟) أي: قال أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، أي يوم هذا؟ وأشار به إلى اليوم الذي كان مريضا فيه، وكان آخر أيامه، ولم يكن موته فيه لما ذكرنا قوله: (قلت يوم الاثنين)، برفع اليوم لأنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا اليوم يوم الاثنين. قوله: (أرجو فيما بيني وبين الليل)، وفي رواية المستملي: (وبين الليلة) ومعناه: أرجو من الله تعالى أن يكون موتي فيما بين الوقت الذي أنا فيه وبين الليل الذي يأتي، يعني يكون يوم الاثنين ليكون موته في يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذا توفي ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء الآخرة لثمان بقين من جمادي الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة، كما ذكرنا آنفا. وقيل: توفي أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، يوم الجمعة، وقيل: ليلة الجمعة و: الأول أصح، ولا خلاف أنه، صلى الله عليه وسلم، مات يوم الاثنين قبل أن ينشب النهار، ومرض لاثنين وعشرين ليلة من صفر، وبدأ وجعه عند وليدة له يقال لها ريحانة كانت من سبي اليهود وكان أول يوم مرض يوم السبت، وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة، واختلفوا في سبب موت أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، فقال سيف بن عمر، إسناده عن ابن عمر، قال: كان سبب مرض أبي بكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كمد فما زال جسمه يذوب حتى مات. وقيل: سم، فقال ابن سعد بإسناده عن ابن شهاب: إن أبا بكر والحارث بن كلدة يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر، فقال له الحارث: إرفع يدك يا خليفة رسول الله، والله إن فيها السم سنة وأنا وأنت نموت في يوم واحد عند انتهاء السنة، فماتا عند انقضائها، ولم يزالا عليلين حتى ماتا. والخزيرة أن يقطع اللحم ويذر عليه الدقيق. وقال الطبري: الذي سمته امرأة من اليهود في أرز، وقيل: إن اليهود سمته في حسو. وقيل: اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوما وتوفي، حكاه الواقدي عن عائشة. وقيل: علق به سل قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل به حتى قتله، حكاه عكرمة عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما. قوله: (ثم نظر)، أي: أبو بكر، إلى ثوب عليه أي
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»