أبا بكر في تقبيله النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله إلا قدوة به، عليه الصلاة والسلام، لما روى الترمذي مصححا: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت فأكب عليه وقبله ثم بكى حتى رأيت الدموع تسيل على وجنتيه وفي (التمهيد) لما توفي عثمان كشف النبي صلى الله عليه وسلم الثوب عن وجهه وبكى بكاء طويلا وقبل بين عينيه، فلما رفع على السرير قال: طوبى لك يا عثمان، لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها). وفيه: جواز البكاء على الميت من غير نوح. وفيه: أن الصديق أعلم من عمر، وهذه إحدى المسائل التي ظهر فيها ثاقب علمه، وفضل معرفته، ورجاحة رأيه، وبارع فهمه، وحسن إسراعه بالقرآن، وثبات نفسه، وكذلك مكانته عند الإمرة لا يساويه فيها أحد إلا يرى أنه حين تشهد بدأ بالكلام مال إليه الناس وتركوا عمر ولم يكن ذلك إلا لعظيم منزلته في النفوس على عمر وسمو محله عندهم، وقد أقر بذلك عمر حين مات الصديق، فقال: والله ما أحب أن ألقى الله بمثل عمل أحد إلا بمثل عمل أبي بكر، ولوددت أني شعرة في صدره، وذكر الطبري عن ابن عباس قال: إني والله لأمشي مع عمر في خلافته وبيده الدرة وهو يحدث نفسه ويضرب قدمه بدرته ما معه غيري، إذ قال لي: يا ابن عباس، هل تدري ما حملني على مقالتي التي قلت حين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: لا أدري والله يا أمير المؤمنين. قال: فإنه ما حملني على ذلك إلا قوله عز وجل: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) * إلى قوله: * (شهيدا) * (البقرة: 341). فوالله إن كنت لأظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بأجزاء أعمالها. وفيه: حجة مالك في قوله في الصحابة: مخطىء ومصيب في التأويل. وفيه اهتمام عائشة رضي الله تعالى عنها بأمر الشريعة وإنها لم يشغلها ذلك عن حفظها ما كان من أمر الناس في ذلك اليوموفيه: غيبة الصديق عن وفاته، صلى الله عليه وسلم، لأنه كان في ذلك اليوم بالسنح، وكان متزوجا هناك. وفيه: الدخول على الميت بغير استئذان، ويجوز أن يكون عند عائشة غيرها فصار كالمحفل لا يحتاج الداخل إلى إذن، وروي أنه استأذن فلما دخل أذن للناس. وفيه: قول أبي بكر لعمر: إجلس، فأبى إنما ذلك لما دخل عمر من الدهشة والحزن، وقد قالت أم سلمة: ما صدقت بموت النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعت وقع الكرازين. قال الهروي: هي الفئوس، وقيل: تريد وقع المساحي تحثو التراب عليه، صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن عمر، رضي الله تعالى عنه، ظن أن أجله، صلى الله عليه وسلم، لم يأت وأن الله تعالى من على العباد بطول حياته، ويحتمل أن يكون أنسي قوله تعالى: * (إنك ميت) * (الزمر: 03). وقوله: * (وما محمد إلا رسول) * إلى: * (أفائن مات) * (آل عمران: 441). وكان يقول مع ذلك: ذهب محمد لميعاد ربه، كما ذهب موسى لمناجاة ربه، وكان في ذلك ردعا للمنافقين واليهود حين اجتمع الناس. وأما أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، فرأى إظهار الأمر تجلدا، ولما تلا الآية كانت تعزيا وتصبرا. وفيه: جواز التفدية بالآباء والأمهات. وفيه: ترك تقليد المفضول عند وجود الفاضل.
3421 حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني خارجة ابن زيد بن ثابت أن أم العلاء امرأة من الأنصار بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنه اقتسم المهاجرون قرعة فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في أبياتنا فوجع وجعه الذي توفي فيه فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم وما يدريك أن الله أكرمه فقلت بأبي أنت يا رسول الله فمن يكرمه الله؟ فقال أما هو فقد جاءه اليقين والله إني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي قالت فوالله لا ازكي أحدا بعده أبدا.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني على عثمان بعد أن غسل وكفن، وهذه المطابقة أظهر من مطابقة الحديث السابق للترجمة.
ذكر رجاله: وهم ستة: الأول: يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكريا المخزومي. الثاني: الليث بن سعد. الثالث: عقيل، بضم العين: ابن خالد. الرابع: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. الخامس: خارجة اسم فاعل من الخروج ابن زيد بن ثابت الأنصاري أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، مات سنة مائة. السادس: أم العلاء بنت الحارث