عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ١٤
مساو لحاله بعد تكفينه، وذلك لأن منهم من منع عن الاطلاع على الميت إلا الغاسل، ومن يليه، لأن الموت سبب لتغير محاسن الحي، لأنه يكون كريها في المنظر، فلذلك أمر بتغميضه وتسجيته، وأشار البخاري إلى جواز ذلك بالترجمة المذكورة، ولما كان حاله بعد التسجية مثل حاله بعد التكفين وقع التطابق بين الترجمة والحديث من هذه الحيثية.
ذكر رجاله: وهم سبعة: الأول: بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة: ابن محمد أبو محمد السختياني المروزي، مات سنة أربع وعشرين ومائتين. الثاني: عبد الله بن المبارك. الثالث: معمر، بفتح الميمين، ابن راشد. الرابع: يونس ابن يزيد. الخامس: محمد بن مسلم الزهري. السادس: أبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف. السابع: أم المؤمنين عائشة، رضي الله تعالى عنها.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد. وفيه: الإخبار بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في ثلاثة مواضع. وفيه: القول في أربعة مواضع. وفيه: أن شيخه من أفراده وهو وعبد الله مروزيان ومعمر بصري ويونس أيلي والزهري وأبو سلمة مدنيان. وفيه: أربعة منهم بلا نسبة، وواحد بالكنية. وفيه: رواية التابعي عن التابعي عن الصحابية.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن يحيى بن بكير عن ليث عن عقيل وفي فضل أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، عن إسماعيل بن أبي أويس. وأخرجه النسائي في الجنائز عن سويد بن نصر عن ابن المبارك به. وأخرجه ابن ماجة فيه عن علي بن محمد عن أبي معاوية.
ذكر معناه: قوله: (بالسنح)، بضم السين المهملة والنون والحاء المهملة، وهو منازل بني الحارث بن الخزرج، بينهما وبين منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميل، وزعم صاحب (المطالع) أن أبا ذر كان يقوله بإسكان النون. قوله: (فتميم)، أي: قصد النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (وهو مسجى)، جملة اسمية وقعت حالا. ومسجى اسم مفعول من سجى يسجي تسجية. يقال: سجيت الميت تسجية إذا مددت عليه ثوبا، ومعنى مسجى: هنا مغطى. قوله: (ببر حبرة)، بالوصف والإضافة، والبرد، بضم الباء الموحدة وسكون الراء: وهو نوع من الثياب معروف، والجمع: أبراد وبرود، والبردة والشملة المخططة وحبرة على وزن عنبة ثوب يماني يكون من قطن أو كتاب مخطط، وقال الداودي: هو ثوب أخضر. قوله: (ثم أكب عليه)، هذا اللفظ من النوادر حيث هو لازم، وثلاثية كب متعد عكس ما هو المشهور في القواعد التصريفية. قوله: (فقبله) أي: بين عينيه وقد ترجم عليه النسائي وأورده صريحا حيث قال: تقبيل الميت وأين يقبل منه؟ قال: أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة (عن عائشة: أن أبا بكر قبل بين عيني النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت). قوله: (بأبي أنت) أي: أنت مفدى بأبي، فالباء متعلقة بمحذوف فيكون مرفوعا لأنه يكون مبتدأ وخبرا. وقيل: فعل، فيكون ما بعده منصوبا تقديره: فديتك بأبي. قوله: (لا يجمع الله عليك موتتين)، قال الداودي: لم يجمع الله عليك شدة بعد الموت لأن الله تعالى قد عصمك من أهوال القيامة. قال: وقيل: لا يموت موتة أخرى في قبره كما يحيى غيره في القبر فيسأل ثم يقبض، وقال ابن التين: أراد بذلك موته وموت شريعته، يدل عليه. قوله: (من كان يعبد محمدا). وقيل: إنما قال ذلك ردا لمن قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت وسيبعث ويقطع أيدي رجال وأرجلهم. قيل: إنه معارض لقوله تعالى: * (امتنا اثنتين واحييتنا اثنتين) * (غافر: 11). وأجيب: بأن الأولى الخلقة من التراب ومن نطفة لأنهما موات، والثانية التي بموت الخلق، وإحدى الحياتين في الدنيا والأخرى بعد الموت في الآخرة. وعن الضحاك: أن الأولى الموت في الدنيا، والثانية الموت في القبر بعد الفتنة والمسالة، واحتج بأنه لا يجوز أن يقال للنطفة والتراب ميت، وإنما الميت من تقدمت له حياة، ورد عليه بقوله تعالى: * (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها) * (يس: 33). لم يتقدم لها حياة قط، وإنما خلقها الله جمادا ومواتا، وهذا من سعة كلام العرب. قوله: (التي كتب الله) أي: قدر الله، وفي رواية الكشميهني: (التي كتبت)، على صيغة المجهول أي: قدرت. قوله: (منها)، بضم الميم وكسرها، من: مات يموت، ومات يمات، والضمير فيه يرجع إلى الموتة. قوله: (وعمر يكلم الناس) الواو فيه للحال. قوله: (فما يسمع بشر)، يسمع على صيغة المجهول تقديره: ما يسمع بشر يتلو شيئا إلا هذه الآية.
ذكر ما يستفاد منه: فيه استحباب تسجية الميت. وفيه: جواز تقبيل الميت لفعل أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، وكأن
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»