عمدة القاري - العيني - ج ٨ - الصفحة ٤
قوله في الترجمة: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، فإن ترك الإشراك هو التوحيد، والقول: بلا إله إلا الله هو التوحيد بعينه.
ذكر رجاله: وهم خمسة: الأول: موسى بن إسماعيل أبو سلمة المنقري يقال له: التبوذكي، وقد مر غير مرة. الثاني: مهدي، بفتح الميم: ابن ميمون المعولي الأزدي، مر في: باب إذا لم يتم السجود. الثالث: واصل، اسم فاعل من الوصول: ابن حيان، بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف، وقد تقدم في: باب المعاصي من أمر الجاهلية في كتاب الإيمان. الرابع: المعرور، بفتح الميم وسكون العين المهملة وبالراء المكررة: ابن سويد، بضم السين المهملة وفتح الواو وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره دال مهملة، وقد تقدم أيضا في الباب المذكور. الخامس: أبو ذر، اسمه جندب بن جنادة، وقد تكرر ذكره.
ذكر لطائف إسناده: فيه: التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: القول في ثلاثة مواضع. وفيه: أن شيخه ومهديا بصريان، وواصل ومعرور كوفيان. وفيه: واصل مذكور بلا نسبة، وقد ذكر بلقبه الأحدب ضد الأقعس.
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره: أخرجه البخاري أيضا في التوحيد عن بندار عن غندر عن شعبة، وأخرجه مسلم في الإيمان عن أبي موسى وبندار، كلاهما عن غندر به، وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن بندار به وعن محمد ابن إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الله بن بكر عن مهدي بن ميمون. وأخرجه الترمذي فقال: حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو داود، وقال: أخبرنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت وعبد العزيز بن رفيع والأعمش، كلهم سمعوا زيد بن وهب (عن أبي ذر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل، عليه الصلاة والسلام، فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. قلت: وإن زني وإن سرق؟ قال: نعم). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن أبي الدرداء قلت: روى حديث أبي الدرداء مسدد في (مسنده): حدثنا يحيى حدثنا نعيم بن حكيم حدثني أبو مريم سمعت أبا الدرداء يحدث عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (ما من رجل يشهد أن لا إله إلا الله ومات لا يشرك بالله شيئا إلا دخل الجنة أو: لم يدخل النار. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، ورغم أنف أبي الدرداء). ورواه أبو يعلى: حدثنا أبو عبد الله المقري حدثنا يحيى... فذكره، ورواه أحمد أيضا في (مسنده) قلت: يحيى هو القطان، ونعيم بن حكيم وثقه ابن معين، والعجلي وذكره ابن حبان في الثقات، وأبو مريم الثقفي: قاضي البصرة ذكره ابن حبان في الثقات.
ذكر معناه: قوله: (أتاني آت من ربي)، والمراد به جبريل، عليه الصلاة والسلام، وفسره به في التوحيد: من طريق شعبة وكان هذا في رؤيا منام، والدليل عليه ما رواه البخاري في اللباس من طريق أبي الأسود عن أبي ذر، قال: (أتيت النبي، صلى الله عليه وسلم، وعليه ثوب أبيض وهو نائم ثم انتبه وقد استيقظ) ورواه الإسماعيلي من طريق مهدي في أول قصة: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له، فلما كان في بعض الليل تنحى، فلبث طويلا ثم أتانا..) فذكر الحديث. قوله: (وإن زنى وإن سرق؟) حرف الاستفهام فيه مقدر، وتقديره: أدخل الجنة وإن سرق وإن زنى؟ قال الكرماني: والشرط حال. فإن قلت: ليس في الجواب استفهام، فلزم منه أن من لم يسرق ولم يزن لم يدخل الجنة، إذ انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط. قلت: هو من باب: (نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه)، والحكم في المسكوت عنه ثابت بالطريق الأولى. قوله: (من أمتي) يشمل أمة الإجابة وأمة الدعوة. قوله: (لا يشرك بالله شيئا) وفي رواية البخاري في اللباس بلفظ: (ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك..) الحديث، ونفي الشرك يستلزم إثبات التوحيد، والشاهد له حديث عبد الله بن مسعود: (من مات يشرك بالله شيئا دخل النار)، على ما يجيء عن قريب. قوله: (فقلت) القائل هو أبو ذر، وليس هو النبي، صلى الله عليه وسلم، وقد يتبادر الذهن إلى أنه هو النبي، صلى الله عليه وسلم، وليس كذلك لأنه في رواية: (قال أبو ذر: يا رسول الله وإن سرق وإن زنى؟ ثلاث مرات، وفي الرابعة قال: على رغم أنف أبي ذر)، وقال صاحب (التلويح): ويجمع بين اللفظين بأن النبي، صلى الله عليه وسلم، قاله مستوضحا، وأبو ذر قاله مستبعدا، لأن في ذهنه قوله، صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، وما في معناه، وإنما ذكر من الكبائر نوعين لأن
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»