أضداده لكونه مانعا من فعل الواجب وأمر الندب لا يكون كذلك فكانت أضداد المندوب غير منهي عنها لا نهي تحريم ولا نهي تنزيه ومن لم يفصل جعل أمر الندب نهيا عن ضده فهي ندب حتى يكون الامتناع عن ضد المندوب مندوبا كما يكون فعله وأما النهي عن الشيء فأمر بضده إن كان له ضد واحد باتفاقهم كالنهي عن الكفر أمر بالإيمان وإن كان له أضداد فعند بعض أصحابنا وبعض أصحاب الحديث يكون أمرا بالأضداد كلها كما في جانب الأمر وعند عامة أصحابنا وعامة أصحاب الحديث يكون أمرا بواحد من الأضداد غير معين وذهب بعضهم إلى أنه يوجب حرمة ضده وقال بعضهم يدل على حرمة ضده وقال بعض الفقهاء يدل على كراهة ضده وقال بعضهم يوجب كراهة ضده ومختار القاضي الإمام أبي زيد وشمس الأئمة وفخر الإسلام ومن تابعهم أنه يقتضي كراهة ضده والنهي عن الشيء ينبغي أن يكون ضده في معنى سنة مؤكدة فافهم (فإن قلت) فإذا كان قوله أمرنا بالسكوت دالا على النهي عن الكلام فما فائدة ذكر النهي عن الكلام في قوله ' فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ' (قلت) التصريح أبلغ من دلالة الالتزام فاقتضى التصريح به نفي الخلاف المعروف فيه (فإن قلت) الألف واللام في قوله ' أمرنا بالسكوت ' لماذا (قلت) للعهد لا للعموم وهي راجعة إلى قوله ' يكلم الرجل صاحبه إلى جنبه ' أي فأمرنا بالسكوت عما كانوا يفعلونه من ذلك وكذلك الألف واللام في قوله ' ونهينا عن الكلام ' أي عن مخاطبة الآدميين وحمل ابن دقيق العيد الألف واللام في الكلام على العموم وفيه نظر لأن النهي عن الكلام مخصوص بمخاطبة الآدميين بدليل حديث معاوية بن الحكم أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من رواية عطاء بن يسار عنه قال ' بينا أنا أصلي مع رسول الله إذ عطس رجل من القوم فقلت له يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم ' الحديث وفيه أنه قال ' إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ' * ((باب ما يجوز من التسبيح والحمد في الصلاة للرجال)) أي هذا باب في بيان ما يجوز من قول سبحان الله وقول الحمد لله في أثناء الصلاة للرجال إذا نابهم شيء فيها نحو ما إذا رأى المصلي أن إمامه يفعل شيئا في غير محله يقول سبحان الله ليسمع الإمام ذلك ويرجع إلى الصواب وإنما قيد ذلك بالرجال لأن النساء إذا نابهن شيء في الصلاة يصفقن لقوله ' التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ' على ما يأتي بعد باب مفردا ويدخل في هذا ما إذا فتح على إمامه لا تفسد صلاته 224 - (حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل رضي الله عنه قال خرج النبي يصلح بين بني عمرو بن عوف وحانت الصلاة فجاء بلال أبا بكر رضي الله عنهما فقال حبس النبي فتؤم الناس قال نعم إن شئتم فأقام بلال الصلاة فتقدم أبو بكر رضي الله عنه فصلى فجاء النبي يمشي في الصفوف يشقها شقا حتى قام في الصف الأول فأخذ الناس بالتصفيح قال سهل هل تدرون ما التصفيح هو التصفيق وكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه لا يلتفت في صلاته فلما أكثروا التفت فإذا النبي في الصف فأشار إليه مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله ثم رجع القهقرى وراءه وتقدم النبي فصلى) مطابقته للترجمة من حيث أنه ذكر هذا الحديث بتمامه في باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول وفيه ' من نابه شيء في الصلاة فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء ' وذكر هذه الترجمة ههنا على هذا الوجه اكتفاء بما ذكر هناك لأن الحديث واحد على أنه ذكره في سبعة مواضع مترجما في كل موضع بما يناسبه وقد ذكرناه هناك مستقصى والشارح ههنا على قسمين منهم من لم يتعرض قط لوجه هذه الترجمة ولا لوجه مناسبتها للحديث منهم صاحب التلويح والتوضيح ومنهم من ذكر شيئا لا يساوي سماعه منهم الكرماني فإنه قال (فإن قلت) ذكر في الترجمة لفظ التسبيح والحديث لا يدل عليه (قلت)
(٢٧٦)