عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ٢٠٤
فرواه النسائي من رواية حميد بن عبد الرحمن: (أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قلت وأنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم: والله لأرمقن رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة حتى أرى فعله)، الحديث: (ثم قام فصلى حتى قلت: صلى قدر ما نام، ثم اضطجع حتى قلت: قد نام قدر ما صلى، ثم استيقظ ففعل كما فعل أول مرة، وقال مثل ما قال، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار قبل الفجر).
ذكر معناه: قوله: (في رمضان)، أي: في ليالي رمضان، قوله: (فلا تسأل عن حسنهن)، معناه: هن في نهاية من كمال الحسن والطول مستغنيان لظهور حسنهن وطولهن عن السؤال عنهن والوصف. قوله: (أربعا) أي: أربع ركعات. قوله: (أتنام؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار والاستعلام. قوله: (ولا ينام قلبي) ليس فيه معارضة لما مضى في: باب الصعيد الطيب وضوء المسلم، أنه صلى الله عليه وسلم نام حتى فاتت صلاة الصبح، وطلعت الشمس لأن طلوع الشمس متعلق بالعين لا بالقلب، إذ هو من المحسوسات لا من المعقولات.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: أن عمله صلى الله عليه وسلم كان ديمة شهر رمضان وغيره، وأنه كان إذا عمل عملا أثبته وداوم عليه. وفيه: تعميم الجواب عند السؤال عن شيء لأن أبا سلمة إنما سأل عائشة، رضي الله تعالى عنها، عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان خاصة، فأجابت عائشة بأعم من ذلك، وذلك لئلا يتوهم السائل أن الجواب مختص بمحل السؤال دون غيره، فهو كقوله صلى الله عليه وسلم: (هو الطهور ماؤه والحل ميته) د لما سأله السائل عن حالة ركوب البحر ومع راكبه ماء قليل يخاف العطش إن توضأ، فأجاب بطهورية ماء البحر حتى لا يختص الحكم بمن هذه حاله، وفي قولها: (يصلي أربعا)، حجة لأبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه، في أن الأفضل في التنفل بالليل أربع ركعات بتسليمة واحدة، وفيه حجة عن منع ذلك كمالك رحمه الله وفي قولها ثم يصلي ثلاثا حجة لاصطحابنا في أن الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة لأن ظاهر الكلام يقتضي ذلك فلا يعدل عن الظاهر إلا بدليل فإن قلت: قد ثبت إيتار النبي صلى الله عليه وسلم بركعة واحدة، وثبت أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن شاء أوتر بواحدة) قلت: سلمنا ذلك، ولكنه إن تلك الركعة الواحدة توتر الشفع المتقدم لها، والدليل على ذلك ما رواه البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله بن دينار (عن ابن عمر: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى). وسيجئ الكلام في موضعه مستقصى إن شاء الله تعالى، وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم لا ينتقض وضوؤه بالنوم لكون قلبه لا ينام، وهذا من خصائص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما ثبت في الصحيح من قوله: (وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم)، وفيه: أن النوم ناقض للطهارة. وفيه: تفصيل قد مر بيانه. وفيه: أن صلاته صلى الله عليه وسلم كانت متساوية في جميع السنة بين ما يستفتح به الصلاة وما بعد ذلك. فإن قلت: في (صحيح مسلم) من حديث عائشة وزيد ابن خالد وأبي هريرة استفتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين. وثبت أيضا في الصحيح من حديث حذيفة صلاته في أول قيامه من الليل بسورة البقرة وآل عمران؟ قلت: يجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل كلا من الأمرين بالتسوية بين الركعات.
الأسئلة والأجوبة منها: أنه ثبت في الصحيح من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم (ان إذا دخل العشر الأواخر يجتهد فيه ما لا يجتهد في غيره)، وفي الصحيح أيضا من حديثها: (كان إذا دخل العشر أحي الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر)، وهذا يدل على أنه كان يزيد في العشر الأخير على عادته، فكيف يجمع بينه وبين حديث الباب؟ فالجواب أن الزيادة في العشر الأخير تحمل على التطويل دون الزيادة في العدد. ومنها: أن الروايات اختلفت عن عائشة في عدد ركعات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، وفي مقدار ما يجمعه منها بتسليم، ففي حديث الباب: إحدى عشرة ركعة، وفي رواية هشام ابن عروة عن أبيه: (كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها)، وفي رواية مسروق: (أنه سألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر)، وفي رواية إبراهيم عن الأسود (عن عائشة: أنه كان يصلي بالليل تسع ركعات)، رواه البخاري والنسائي وابن ماجة. والجواب: إن من عدها ثلاث عشرة أراد بركعتي الفجر، وصرح بذلك في رواية القاسم (عن عائشة: كانت صلاته صلى الله عليه وسلم من الليل عشر ركعات ويوتر
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»