(ليل)، بالجر بدل من: ساعة، وفي رواية مسلم: (من ليل أو نهار). قوله: (ما كتب لي) على صيغة المجهول، وهو جملة في محل النصب، وفي رواية: (ما كتب الله لي)، أي: ما قدر، وهو أعم من الفرض والنفل. قوله: (أن أصلي) في محل الرفع على رواية البخاري، وعلى رواية مسلم في محل النصب. ذكر ما يستفاد منه: فيه: أن الصلاة أفضل الأعمال بعد الإيمان، لقول بلال: إنه ما عمل عملا أرجى منه. وفيه: دليل على أن الله تعالى يعظم المجازاة على ما يسر به العبد بينه وبين ربه مما لا يطلع عليه أحد، وقد استحب ذلك العلماء ليدخرها وليبعدها عن الرياء. وفيه: فضيلة الوضوء وفضيلة الصلاة عقيبه لئلا يبقى الوضوء خاليا عن مقصوده. وفيه: فضيلة بلال، رضي الله تعالى عنه، فلذلك بوب عليه مسلم حيث قال: باب فضائل بلال بن رباح مولى أبي بكر، رضي الله تعالى عنهما، ثم روى الحديث المذكور. وفيه: سؤال الصالحين عن عمل تلميذه ليحضه عليه ويرقبه فيه إن كان حسنا وإلا فينهاه. وفيه: أن الجنة مخلوقة موجودة الآن، خلاف ومنهم: لمن أنكر ذلك من المعتزلة. وفيه: ما استدل به البعض على جواز هذه الصلاة في الأوقات المكروهة، وهو عموم قوله: (في ساعة)، بالتنكير أي: في كل ساعة، ورد بأن الأخذ بعموم هذا ليس بأولى من الأخذ بعموم النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة. وقال ابن التين: ليس فيه ما يقتضي الفورية فيحمل على تأخير الصلاة قليلا ليخرج وقت الكراهة، أو أنه كان يؤخر الطهور إلى خروج وقت الكراهة، واعترض بعضهم بقوله: لكن عند الترمذي وابن خزيمة من حديث بريدة في نحو هذه القضية: (ما أصابني حدث قط إلا توضأت عنده)، ولأحمد من حديثه: (ما أحدثت إلا توضأت وصليت ركعتين)، فدل على أنه كان يعقب الحدث بالوضوء، والوضوء بالصلاة في أي وقت كان. انتهى قلت: حديث بريدة الذي رواه الترمذي ذكره الترمذي في مناقب عمر ابن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، قال: حدثنا الحسين بن حريث أبو عمار المروزي، قال: حدثنا علي بن الحسين بن واقد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عبد الله بن بريدة، قال: (حدثني أبو بريدة، قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالا. فقال: يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي؟ قال، دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي، فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من العرب. فقلت: أنا عربي، لمن هذا القصر، قالوا: لرجل من قريش، فقلت: أنا قرشي، لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقلت: أنا محمد، لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه. فقال بلال: يا رسول الله: ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها، ورأيت أن لله علي ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بهما). وأما جواب هذا المعترض فما مر ذكره الآن، وهو قولنا: ورد بأن الأخذ بعموم هذا... إلى آخره، ويجوز أن تكون أخبار النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة بعد هذا الحديث.
الأسئلة والأجوبة: منها ما قاله الكرماني: فإن قلت: هذا السماع لا بد أن يكون في النوم، إذ لا يدخل أحد الجنة إلا بعد الموت؟ قلت: يحتمل كونه في حال اليقظة، وقد صرح في أول كتاب الصلاة أنه: دخل فيها ليلة المعراج. انتهى. قلت: في كلاميه تناقض لا يخفى لأنه ذكر أولا أن دخوله صلى الله عليه وسلم الجنة في حال اليقظمة محتمل، ثم قال ثانيا: فالتحقيق أنه دخلها ليلة المعراج، والأوجه أن يقال: إن قوله: لا يدخل أحد الجنة إلا بعد الموت، ليس على عمومه، أو نقول: هذا على عمومه ولكنه في حق من كان من عالم الكون والفساد والنبي صلى الله عليه وسلم لما جاوز السماوات السبع وبلغ إلى سدرة المنتهى خرج من أن يكون من أهل هذا العالم، فلا يمتنع بعد هذا دخوله الجنة قبل الموت، وقد تفردت بهذا الجواب. ومنها ما قيل: كيف يسبق بلال النبي صلى الله عليه وسلم في دخول الجنة، والجنة محرمة على من يدخل فيها قبل دخوله صلى الله عليه وسلم؟ والجواب فيما ذكره الكرماني بقوله: وأما بلال فلم يلزم منه أنه دخل فيها، إذ في الجنة طرق السماع والدف بين يديه، وقد يكون خارجا عنها. واستبعد بعضهم هذا الجواب بقوله: لأن السياق يشعر بإثبات فضيلة بلال لكونه جعل السبب الذي بلغه إلى ذلك ما ذكره من ملازمة التطهر والصلاة، وإنما تثبت له الفضيلة بأن يكون رئي داخل الجنة لا خارجا عنها، ثم أكد كلامه بحديث بريدة المذكور. قلت: التحقيق فيه أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم إياه في الجنة حق، لأن رؤيا الأنبياء حق. وقال الترمذي: ويروى أن رؤيا