ذكر معناه: قوله: (يعقد الشيطان) الكلام في العقد والشيطان. أما العقد فقد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هو على الحقيقة بمعنى السحر للإنسان، ومنعه من القيام كما يعقد الساحر من سحره، وأكثر ما يفعله النساء تأخذ إحداهن الخيط فتعقد منه عقدا وتتكلم عليها بالكلمات فيتأثر المسحور عند ذلك، كما أخبر الله تعالى في كتابه الكريم * (ومن شر النفاثات في العقد) * (الفلق: 4). فالذي خذل يعمل فيه والذي وفق يصرف عنه، والدليل على كونه على الحقيقة ما رواه ابن ماجة ومحمد بن نصر من طريق صالح عن أبي هريرة مرفوعا: (على قافية رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد)، وروى أحمد من طريق الحسن عن أبي هريرة بلفظ: (إذا نام أحدكم عقد على رأسه بجرير)، وروى ابن خزيمة وابن حبان من حديث جابر مرفوعا: (ما من ذكر ولا أنثى إلا على رأسه جرير معقود حين يرقد)، وقال بعضهم: هو على المجاز كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر بالمسحور، وقيل: هو من عقد القلب وتصميمه فكأنه يوسوس بأن عليك ليلا طويلا فيتأخر عن القيام بالليل، وقال صاحب (النهاية): المراد منه تثقيله في النوم وإطالته، فكأنه قد سد عليه سدا وعقد عليه عقدا. وقال ابن بطال: قد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، معنى العقد بقوله: (عليك ليل طويل)، فكأنه يقولها إذا أراد النائم الاستيقاظ. وقال ابن بطال أيضا: ورأيت لبعض من فسر هذا الحديث العقد الثلاث هي: الأكل والشرب والنوم. وقال ألا يرى أنه من أكثر الأكل والشرب أنه يكثر النوم لذلك؟ واستبعد بعضهم هذا القول لقوله في الحديث: (إذا هو نام)، فجعل العقد حينئذ، وقال ابن قرقول: هو مثل، واستعاره من عقد بني آدم، وليس المراد العقد نفسها، ولكن لما كان بنو آدم يمنعون بعقدهم ذلك تصرف من يحاول فيما عقده كأن هذا مثله من الشيطان للنائم الذي لا يقوم من نومه إلى ما يحب من ذكر الله تعالى والصلاة.
وأما الشيطان: فيجوز أن يراد به الجنس، ويكون فاعل ذلك القرين أو غيره من أعوان الشيطان. وقال بعضهم: يحتمل أن يراد به رأس الشياطين وهو إبليس لعنه الله. قلت: يعكر عليه شيئان أحدهما: أن النائمين عن قيام الليل كثير لا يحصى، فإبليس لا يلحقهم بذلك إلا أن يكون جواز نسبة ذلك إليه لكونه آمرا لأعوانه بذلك، وهو الداعي إليه والآخر: أن مردة الشياطين يصفدون في شهر رمضان وأكبرهم إبليس عليه اللعنة.
قوله: (على قافية رأس أحدكم) أي: مؤخر عنقه، وقد ذكرنا أن قافية كل شيء مؤخره، ومنه قافية القصيدة، وفي (المحكم): القافية: هي القفا، وقيل: هي وسط الرأس. قوله: (إذا هو نام)، أي: حين نام، ورواية الأكثرين هكذا: (إذا هو نام)، وفي رواية الحموي والمستملي (إذا هو نائم) على وزن اسم الفاعل، وقال بعضهم: والأول أصوب وهو الذي في (الموطأ) قلت: رواية (الموطأ) لا تدل على أن ذلك أصوب، بل الظاهر أن رواية المستملي أصوب لأنها جملة اسمية والخبر فيها اسم. قوله: (ثلاث عقد) كلام إضافي منصوب لأنه مفعول لقوله: (يعقد)، والعقد، بضم العين وفتح القاف: جمع عقدة. قوله: (يضرب على كل عقدة) وفي رواية المستملي: (على مكان كل عقدة)، وفي رواية الكشميهني: (عند مكان كل عقدة)، وفي رواية الكشميهني: (عند مكان كل عقدة)، ومعنى يضرب، يضرب بيده على كل عقدة، ذكر هذا تأكيدا وإحكاما لما يفعله، وقيل: يضرب بالرقاد، ومنه قوله تعالى: * (فضربنا على آذانهم في الكهف) * (الكهف: 11). ومعناه: حجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ. قوله: (عليك ليل طويل) أي: يضرب قائلا: عليك ليل طويل، ووقع في جميع روايات البخاري هكذا: ( ليل طويل) بالرفع فيهما، فارتفاع: ليل، بالابتداء، و: عليك، خبره مقدما وارتفاع: طويل، بالوصفية. ويجوز أن يكون ارتفاع: ليل، بفعل محذوف وتقديره: بقي عليك ليل طويل، والجملة مقول القول المحذوف، أي: يضرب كل عقدة قائلا هذا الكلام، ووقع في رواية أبي مصعب في (الموطأ) عن مالك: (عليك ليلا طويلا)، وهي رواية سفيان بن عيينة عن أبي الزناد في رواية مسلم. قال عياض: رواية الأكثرين عن مسلم بالنصب على الإغراء. وقال القرطبي: الرفع أولى من جهة المعنى لأنه الأمكن في الغرور من حيث إنه يخبره عن طول الليل: ثم يأمره بالرقاد بقوله: (فارقد)، وإذا نصب على الإغراء لم يكن فيه إلا الأمر بملازمة طول الرقاد، وحينئذ يكون قوله: (فارقد) ضائعا. قلت: لا نسلم أنه يكون ضائعا، بل يكون تأكيدا ثم إن مقصود الشيطان بذلك تسويفه بالقيام والإلباس عليه. قوله (فذكر الله انحلت عقدة) بالإفراد وكذلك قوله: (فإن توضأ انحلت عقدة) بالإفراد. وقوله: (فإن صلى انحلت عقدة) بضم العين بلفظ الجمع هذا الاخلاف فيه في رواية البخاري ووقع لبعض رواة الموطأ بالإفراد وذكر ابن قرقول انه اختلف في الأخيرة منها، فوقع في رواية (الموطأ) لابن وضاح