عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ٣٧
عن أنس. وأخرجه أيضا عن قتيبة ومحمد بن رمح. وأخرجه أبو داود والنسائي عن قتيبة. وأخرجه ابن ماجة عن محمد ابن رمح.
ذكر معناه: قوله: (والشمس مرتفعة)، الواو: فيه للحال، وقد مر تفسير قوله: حية. قوله: (العوالي)، جمع: عالية وهي القرى التي حول المدينة من جهة نجد، وأما من جهة تهامة فيقال لها: السافلة. قوله: (فيأتيهم والشمس مرتفعة) أي: دون ذلك الارتفاع. قوله: (وبعض العوالي...)، إلى آخره، قال الكرماني: إما كلام البخاري وإما كلام أنس أو هو للزهري، كما هو عادته في الإدراجات. قلت: الظاهر أنه من الزهري، يدل عليه ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في هذا الحديث، فقال فيه، بعد قوله: (والشمس حية)، قال الزهري: والعوالي من المدينة على ميلين أو ثلاثة. وروى البيهقي حديث الباب من طريق أبي بكر الصنعاني عن أبي اليمان، شيخ البخاري، وقال في آخره: وبعد العوالي، بضم الباء الموحدة وبالدال المهملة، وكذلك أخرجه البخاري في الاعتصام تعليقا، ووصله البيهقي من طريق الليث: عن يونس عن الزهري، لكن قال: أربعة أميال أو ثلاثة. وروى هذا الحديث أبو عوانة في (صحيحه) وأبو العباس السراج جميعا عن أحمد بن الفرج أبي عتبة عن محمد بن حمير عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الزهري، ولفظه: (والعوالي من المدينة على ثلاثة أميال) وأخرجه الدارقطني عن المحاملي عن أبي عتبة المذكور بسنده المذكور، فوقع عنه: (على ستة أميال). ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري فقال فيه: (على ميلين أو ثلاثة). ووقع في (المدونة) عن مالك، رحمه الله تعالى: أبعد العوالي مسافة ثلاثة أميال. قال عياض: كأنه أراد معظم عمارتها، وإلا فأبعدها ثمانية أميال. قلت: علم من هذه الاختلافات أن أقرب العوالي من المدينة مسافة ميلين، وأبعدها ثمانية أميال، وأما الثلاثة والأربعة والستة فباعتبار القرب والبعد من المدينة، فبهذا الوجه يحصل التوفيق بين هذه الروايات، والميل: ثلث فرسخ، أربعة آلاف ذراع بذراع محمد بن فرج الشاشي، طولها أربعة وعشرون إصبعا بعدد حروف: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعرض الإصبع: ست حبات شعير ملصقة ظهرا لبطن، وزنة الحبة من الشعير: سبعون حبة خردل. وفسر أبو شجاع الميل: بثلاثة آلاف ذراع، وخمسمائة ذراع، إلى أربعة آلاف ذراع. وفي (الينابيع) الميل: ثلث الفرسخ، أربعة آلاف خطوة، كل خطوة ذراع ونصف بذراع العامة، وهو أربعة وعشرون إصبعا.
551 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب منا إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة قد تكرر ذكر هؤلاء الرواة.
وفيه: التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، والإخبار كذلك في موضع واحد. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: القول.
قوله: (كنا نصلي العصر) أي: مع النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل عليه ما رواه خالد بن مخلد عن مالك، كذلك مصرحا به أخرجه الدارقطني في (غرائبه). قوله: (إلى قباء)، قال أبو عمر: قول مالك، قباء، وهم لا شك فيه ولم يتابعه أحد فيه عن ابن شهاب، وقال النسائي: لم يتابع مالك على قوله: (قباء)، والمعروف: العوالي، وكذا قاله الدارقطني في آخرين: إلى العوالي، وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة من حدديث الزهري، وقال التيمي: الصحيح بدل قباء العوالي، كذلك رواه أصحاب ابن شهاب كلهم غير مالك في (الموطأ) فإنه تفرد بذكر: قباء، وهو مما يعد على مالك أنه وهم فيه. قلت: تابع مالكا ابن أبي ذئب، فإنه روى عن الزهري: إلى قباء، كما قاله مالك، نقله الباجي عن الدارقطني، فنسبة الوهم إلى مالك غير موجه، ولئن سلمنا أنه وهم، ولكن لا نسلم أن يكون ذلك من مالك قطعا، فإنه يحتمل أن يكون من الزهري حين حدث به مالكا. وقال ابن بطال: روى خالد بن مخلد عن مالك فقال فيه: إلى العوالي، كما قاله الجماعة، فهذا يدل على أن الوهم فيه ممن دون مالك. ورد هذا بأن مالكا أثبته في (الموطأ) باللفظ الذي رواه عنه كافة أصحابه، فرواية خالد عنه شاذة، ولئن سلمنا الوهم فيه، فهو إما من مالك كما جزم به البزار والدارقطني ومن تبعهما، أو من الزهري حين حدث به، ومع هذا كله فقباء من العوالي، فلعل مالكا رأى في رواية الزهري إجمالا وفسرها بقباء، فعلى هذا لا يحتاج إلى نسبة الوهم إلى أحد. فافهم. قوله: (فيأتيهم) أي: فيأتي أهل قباء، و: الواو، في: (والشمس) للحال.
14
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»