عباده. وقال بعضهم: استدل به على أن الوتر ليس من المكتوبة، لكون أبي برزة لم يذكره. قلت: عدم ذكره إياه لا يستلزم نفي وجوب الوتر، وقد ثبت وجوبه بدلائل أخرى. قوله: (يصلي الهجير)، وهو الهاجرة، أي: صلاة الهجير، وهو وقت شدة الحر، وسمي الظهر بذلك لأن وقتها يدخل حينئذ. قوله: (التي تدعونها الأولى)، وتأنيث الضمير إما باعتبار الهاجرة وإما باعتبار الصلاة، ويروى: (يصلي الهجيرة). وإنما قيل لها: الأولى، لأنها أول صلاة صليت عند إمامة جبريل صلى الله عليه وسلم. وقال البيضاوي: لأنها أول صلاة النهار قوله: (حين تدحض) أي: حين تزول عن وسط السماء إلى جهة المغرب من: الدحض وهو: الزلق. ومقتضى ذلك أنه كان يصلي الظهر في أول وقتها، ولكن لا يعارض حديث الأمر بالإبراد لما ذكرنا وجه ذلك مستقصى. قوله: (إلى رحله)، بفتح الراء وسكون الحاء المهملة: وهو مسكن الرجل وما يستصحبه من الأثاث. قوله: (في أقصى المدينة) صفة لرحل، وليس بظرف للفعل. قوله: (والشمس حية) أي: بيضاء نقية، و: الواو، فيه للحال، وفي (سنن أبي داود) بإسناد صحيح: عن خيثمة التابعي، قال: حياتها أن تجد حرها). قوله: (ونسيت ما قال) قائل ذلك هو: سيار، بينه أحمد في روايته عن حجاج عن شعبة به. قوله: (وكان)، أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (أن يؤخر العشاء)، أي: صلاة العشاء. قوله: (التي تدعونها العتمة)، بفتح العين المهملة والتاء المثناة من فوق، والعتمة من الليل بعد غيبوبة الشفق، وقد أعتم الليل أي: أظلم، وفيه إشارة إلى ترك تسميتها بذلك. قوله: (والحديث بعدها)، أي: التحدث. قوله: (وكان ينفتل) أي: ينصرف من الصلاة، أو يلتفت إلى المأمومين. قوله: (صلاة الغداة) أي: الصبح، وفيه أنه لا كراهة في تسمية الصبح بذلك. قوله: (يقرأ) أي: في الصبح، (بالستين إلى المائة) أي: من الآي، وقدرها الطبراني بسورة الحاقة ونحوها. وقال النووي: هذا الحديث حجة على الحنفية حيث قالوا: لا يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه. قلت: لا نسلم أن الحنفية قالوا ذلك، وإنما هو رواية أسد بن عمرو عن أبي حنيفة وحده، وروى الحسن عنه أن أول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله، وهو قول أبي يوسف ومحمد وزفر، واختاره الطحاوي، وروى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: إذا صار الظل أقل من قامتين يخرج وقت الظهر، ولا يدخل وقت العصر حتى يصير قامتين، وصححه الكرخي، وفي رواية الحسن أيضا: إذا صار ظل كل شيء قامة خرج وقت الظهر ولا يدخل وقت العصر حتى يصير قامتين، وبينهما وقت مهمل، وهو الذي يسميه الناس: بين الصلاتين. وحكى ابن قدامة في (المغنى): عن ربيعة أن وقت الظهر والعصر إذا زالت الشمس، وعن عطاء وطاووس: إذا صار ظل كل شيء مثله، دخل وقت الظهر، وما بينهما وقت لهما على سبيل الاشتراك حتى تغرب الشمس. وقال ابن راهويه والمزني وأبو ثور والطبراني: إذا صار ظل كل شيء مثله دخل وقت العصر، ويبقى وقت الظهر قدر ما يصلي أربع ركعات، ثم يتمحض الوقت للعصر، وبه قال مالك.
548 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس ابن مالك قال كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فنجدهم يصلون العصر..
مطابقة هذا الحديث، ومطابقة بقية أحاديث هذا الباب للترجمة من حيث إن دلالتها على تعجيل العصر، وتعجيله لا يكون إلا في أول وقته، وهو عند صيرورة ظل كل شيء مثله أو مثليه على الخلاف.
ذكر رجاله: وهم أربعة: عبد الله بن مسلمة القعنبي، ومالك بن أنس وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة واسمه: زيد بن سهل الأنصاري ابن أخي أنس بن مالك، يكنى: أبا يحيى، مات سنة أربع وثلاثين ومائة، قال الواقدي: كان مالك لا يقدم عليه أحدا في الحديث.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، والعنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: القول. فإن قلت: هذا الحديث مسند أو موقوف؟ قلت: قول الصحابي: كنا نفعل كذا، فيه خلاف، فذهب بعضهم إلى أنه مسند، وهو اختيار الحاكم، وإيراد البخاري هذا الحديث مشعر بأنه مسند، وإن لم يصرح بإضافته إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الدارقطني والخطيب وآخرون: إنه موقوف، والصواب أن يقال: إن مثل هذا موقوف لفظا، مرفوع حكما، لأن الصحابي أورده في مقام الاحتجاج فيحمل على أنه أراد كونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى ابن المبارك هذا الحديث عن مالك، فقال