عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ٤٨
الصبح) وهو عند الطيالسي: (من أدرك من العصر ركعتين أو ركعة الشك من أبي بشر قبل أن تغيب الشمس فقد أدرك، ومن أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك). وعند أحمد: (من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك، ومن أدرك ركعة أو ركعتين من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك). وفي رواية النسائي: (من أدرك من صلاة ركعة فقد أدرك). وعند الدارقطني: (قبل أن يقيم الإمام صلبه فقد أدركها)، وعنده أيضا: (فقد أدرك الفضيلة ويتم ما بقي)، وضعفه وفي (سنن) الكبحي: (من أدرك من صلاة ركعة فقد أدركها)، وفي (الصلاة) لأبي نعيم: (ومن أدرك ركعتين قبل أن تغرب الشمس، وركعتين بعد أن غابت الشمس فلم تفته العصر). وعند مسلم: (من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة). وعند النسائي بسند صحيح: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضي ما فاته)، وعند الطحاوي: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وفضلها). قال: وأكثر الرواة لا يذكرون: فضلها، قال: وهو الأظهر. وعند الطحاوي: من حديث عائشة نحو حديث أبي هريرة، وأخرجه النسائي وابن ماجة أيضا.
ذكر معناه: قوله: (إذا أدرك) كلمة: إذا، تتضمن معنى الشرط، فلذلك دخلت: الفاء، في جوابها، وهو قوله: (فليتم صلاته). قوله: (سجدة) أي: ركعة، يدل عليه الرواية الأخرى للبخاري: (من أدرك من الصبح ركعة). وكذلك فسرها في رواية مسلم: حدثني أبو الطاهر وحرملة، كلاهما عن ابن وهب، والسياق لحرملة، قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع، فقد أدركها). والسجدة إنما هي الركعة، وفسرها حرملة، وكذا فسر في (الأم) أنه يعبر بكل واحد منهما عن الآخر، وأيا ما كان، فالمراد: بعض الصلاة، وإدراك شيء منها، وهو يطلق على الركعة والسجدة وما دونها، مثل: تكبيرة الإحرام. وقال الخطابي؛ قوله: (سجدة)، معناها: الركعة بركوعها وسجودها، والركعة إنما يكون تمامها بسجودها، فسميت على هذا المعنى سجدة: فإن قلت: ما الفرق بين قوله: (من أدرك من الصبح سجدة؟) وبين قوله: (من أدرك سجدة من الصبح؟) قلت: رواية تقدم السجدة هي السبب الذي به الإدراك، ومن قدم الصبح أو العصر قبل الركعة فلأن هذين الإسمين هما اللذان يدلان على هاتين الصلاتين دلالة خاصة تتناول جميع أوصافها، بخلاف السجدة فإنها تدل على بعض أوصاف الصلاة، فقدم اللفظ الأعم الجامع.
ذكر ما يستفاد منه من الأحكام منها: أن فيه دليلا صريحا في أن من صلى ركعة من العصر، ثم خرج الوقت قبل سلامه لا تبطل صلاته، بل يتمها، وهذا بالإجماع. وأما في الصبح فكذلك عند الشافعي ومالك وأحمد. وعند أبي حنيفة: تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس فيها، وقالوا: الحديث حجة على أبي حنيفة. وقال النووي: قال أبو حنيفة: تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس فيها، لأنه دخل وقت النهي عن الصلاة، بخلاف الغروب، والحديث حجة عليه. قلت: من وقف على ما أسس عليه أبو حنيفة عرف أن الحديث ليس بحجة عليه، وعرف أن غير هذا الحديث من الأحاديث حجة عليهم، فنقول: لا شك أن الوقت سبب للصلاة وظرف لها، ولكن لا يمكن أن يكون كل الوقت سببا، لأنه لو كان كذلك يلزم تأخير الأداء عن الوقت، فتعين أن يجعل بعض الوقت سببا، وهو الجزء الأول لسلامته عن المزاحم، فإن اتصل به الأداء تقررت السببية وإلا تنتقل إلى الجزء الثاني والثالث والرابع وما بعده إلى أن يتمكن فيه من عقد التحريمة إلى آخر جزء من أجزاء الوقت، ثم هذا الجزء إن كان صحيحا، بحيث لم ينسب إلى الشيطان ولم يوصف بالكراهة كما في الفجر، وجب عليه كاملا، حتى لو اعترض الفساد في الوقت بطلوع الشمس في خلال الصلاة فسدت، خلافا لهم، لأن ما وجب كاملا لا يتأدى بالناقص، كالصوم المنذور المطلق وصوم القضاء لا يتأدى في أيام النحر والتشريق، وإذا كان هذا الجزء ناقصا كان منسوبا إلى الشيطان: كالعصر وقت الاحمرار وجب ناقصا، لأن نقصان السبب مؤثر في نقصان المسبب، فيتأدى بصفة النقصان لأنه أدى كما لزم، كما إذا أنذر صوم النحر وأداه فيه، فإذا غربت الشمس في أثناء الصلاة لم تفسد العصر، لأن ما بعد الغروب كامل فيتأدى فيه، لأن ما وجب ناقصا يتأدى كاملا بالطريق الأولى. فإن قلت: يلزم أن تفسد العصر إذا شرع فيه في الجزء الصحيح ومدها إلى أن غربت. قلت: لما كان الوقت متسعا جاز له شغل كل الوقت، فيعفى الفساد الذي يتصل به بالبناء، لأن الاحتراز عنه مع الإقبال على الصلاة متعذر، وأما الجواب عن الحديث المذكور فهو ما ذكره الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي، وهو:
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»