عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ٤٠
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع باتفاق الرواة عن مسلم بن إبراهيم. وفيه: التحديث بصيغة الجمع عن هشام عند أبي ذر، وعند غيره. أخبرنا بصيغة الجمع. وفيه: الإخبار بصيغة الجمع عن يحيى عند أبي ذر، وعند غيره: حدثنا. وفيه: العنعنة عن أبي قلابة عن أبي المليح، وعند ابن خزيمة: من طريق أبي داود الطيالسي عن هشام عن يحيى: أن أبا قلابة حدثه، وعند البخاري في باب التبكير بالصلاة في يوم الغيم: عن معاذ بن فضالة عن هشام عن يحيى عن أبي قلابة: أن أبا المليح حدثه. وفيه: ثلاثة من التابعين على الولاء. وفيه: أن الرواة كلهم بصريون. وفيه: القول في ثلاثة مواضع.
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا عن معاذ بن فضالة. وأخرجه النسائي في الصلاة أيضا عن عبيد الله بن سعيد عن يحيى عن هشام به. ورواه ابن خزيمة كما رواه البخاري. وأخرجه ابن ماجة وابن حبان من حديث الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهاجر عنه، قال ابن حبان: وهم الأوزاعي في تصحيفه عن يحيى، فقال: عن أبي المهاجر، وإنما هو أبو المهلب عم أبي قلابة عن عمه عنه، على الصواب. واعترض عليه الضياء المقدسي، فقال: الصواب أبو المليح عن أبي بريدة.
ذكر معناه: قوله: (ذي غيم)، صفة يوم ومحل: (في غزوة) و: (في يوم) نصب على الحال، وإنما خص يوم الغيم لأنه مظنة التأخير، لأنه ربما يشتبه عليه فيخرج الوقت بغروب الشمس. قوله: (بكروا) أي: أسرعوا وعجلوا وبادروا وكل من بادر إلى الشيء فقد بكر، وأبكر إليه أي وقت كان، يقال: بكروا بصلاة المغرب أي: صلوها عند سقوط القرص. قوله: (من ترك) كلمة من، موصولة تتضمن معنى الشرط في محل الرفع على الابتداء وخبره: (فقد حبط عمله). ودخول: الفاء، فيه لأجل تضمن المبتدأ معنى الشرط. و: حبط، بكسر الباء الموحدة أي: بطل، يقال: حبط يحبط من باب: علم يعلم، يقال: حبط عمله وأحبطه غيره، وهو من قولهم: حبطت الدابة حبطا بالتحريك إذا أصابت مرعى طيبا، فأفرطت في الأكل حتى تنتفخ فتموت، وزاد معمر في رواية هذا الحديث لفظ: متعمدا، وكذا أخرجه أحمد من حديث أبي الدرداء. وفي رواية معمر: (أحبط الله عمله)، وسقط من رواية المستملي لفظ: فقد.
ذكر ما يستفاد منه وهو على وجوه: الأول: احتج به أصحابنا على أن المستحب تعجيل العصر يوم الغيم. الثاني: احتج به الخوارج على تكفير أهل المعاصي، قالوا: وهو نظير قوله تعالى: * (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله) * (المائدة: 5). ورد عليهم أبو عمر بأن مفهوم الآية أن من لم يكفر بالإيمان لم يحبط عمله، فيتعارض مفهوم الآية ومنطوق الحديث، فإذا كان كذلك يتعين تأويل الحديث، لأن الجمع إذا كان ممكنا كان أولى من الترجيح، ونذكر عن قريب وجه الجمع، إن شاء الله تعالى. الثالث: احتج به بعض الحنابلة: أن تارك الصلاة يكفر، ورد بأن ظاهره متروك، والمراد به التغليظ والتهديد، والكفر ضد الإيمان وتارك الصلاة لا ينفي عنه الإيمان، وأيضا لو كان الأمر كما قالوا لما اختصت العصر بذلك. وأما وجه اختصاص العصر بذلك فلأنه وقت ارتفاع الأعمال، ووقت اشتغال الناس بالبيع والشراء في هذا الوقت بأكثر من وقت غيره، ووقت نزول ملائكة الليل. وأما وجه الجمع فهو أن الجمهور تأولوا الحديث فافترقوا على فرق: فمنهم من أول سبب الترك فقالوا: المراد من تركها جاحدا لوجوبها، أو معترفا لكن مستخفا مستهزئا بمن أقامها، وفيه نظر، لأن الذي فهمه الراوي الصحابي إنما هو التفريط، ولهذا أمر بالتبكير والمبادرة إليها وفهمه أولى من فهم غيره. ومنهم من قال: المراد به من تركها متكاسلا، لكن خرج الوعيد مخرج الزجر الشديد، وظاهره غير مراد كقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني وهو مؤمن). ومنهم من أول سبب الحبط، فقيل: هو من مجاز التشبيه، كأن المعنى: فقد أشبه من حبط عمله. قيل: معناه كاد أن يحبط، وقيل: المراد من الحبط نقصان العمل في ذلك الوقت الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى، وكان المراد بالعمل الصلاة خاصة أي: لا يحصل على أجر من صلى العصر، ولا يرتفع له عملها حينئذ، وقيل: المراد بالحبط الإبطال، أي: بطل انتفاعه بعمله في وقت ينتفع به غيره في ذلك الوقت. وفي (شرح الترمذي) ذكر أن الحبط على قسمين: حبط إسقاط وهو: إحباط الكفر للإيمان وجميع الحسنات، وحبط موازنة وهو: إحباط المعاصي للانتفاع بالحسنات عند رجحانها عليها إلى أن تحصل النجاة، فيرجع إليه جزاء حسناته. وقيل: المراد بالعمل في الحديث العمل الذي كان سببا لترك الصلاة، بمعنى أنه: لا ينتفع به ولا يتمتع وأقرب الوجوه في هذا ما قاله ابن بزيزة: إن هذا على وجه التغليظ، وإن ظاهره غير مراد، والله تعالى أعلم، لأن الأعمال لا يحبطها إلا الشرك.
16
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»